"شهادة"يعكس التمزق الداخلي لأبناء المهاجرين في ألمانيا
٢٢ فبراير ٢٠١٠يعتبر المخرج الألماني الجنسية الأفغاني الأصول برهان قرباني أصغر مخرج يعرض له فيلم يتنافس على الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي. فيلم "شهادة" لقرباني، الذي تخرج من أكاديمية السينما في ولاية بادن فورتمبرج، يتطرق إلى النزاعات النفسية التي تدور بداخل أولاد المهاجرين المسلمين في ألمانيا.
قرباني أكد في تصريح أمام الصحفيين أن "شهادة" كان أول تجربة له لإخراج فيلم روائي طويل، إذ أنه كان فيلم تخرجه، لكنه قرر أن يحاول المشاركة به أيضا في مهرجان هذا العام، ونجح في ذلك. المخرج الشاب، الذي يمثل هو أيضاً الجيل الثاني من المهاجرين، يعرض في فيلمه قصص ثلاثة شباب من أصول مهاجرة في ألمانيا وهم إسماعيل، شرطي من أصل تركي وسمير، الشاب النيجيري الذي يعيش مع أمه و أخيرا مريم، ابنة إمام أحد المساجد التركية.
قصص مختلفة وصراع داخلي متشابه
"لكل شخصية من أبطال الفيلم الثلاثة قصة مختلفة، إلا أن قرباني جعل من المسجد الذي يخطب فيه والد مريم ملتقى هذه الشخصيات. فمريم التركية الشابة تعيش حياة غربية تنعم فيها بحرية مطلقة وذلك لاتساع أفق والدها، إمام المسجد، والذي تعيش معه بعد وفاة والدتها. إلا أن مريم تمر بتجربة قاسية، حيث تقرر إجهاض جنين نتج عن علاقة بينها وبين شاب تركي آخر. ولا تنجح مريم في التغلب على هذه التجربة وتمر بحالة نفسية قاسية وتبدأ في البحث عن الخلاص من خلال التشدد الديني، الذي لا يعجب حتى والدها، رجل الدين.
أما سمير، الذي يعمل مع والدته في أحد المصانع، فيرتبط بصداقة حميمة مع أحد زملائه الألمان في العمل. وتصل هذه الصداقة إلى مرحلة، تجعل سمير يكتشف أن لديه ميولاً تجاه نفس أبناء جنسه، ليبدأ صراعا نفسيا عنيفا ما بين تعاليم الإسلام التي لا تبيح مثل هذه العلاقات والتي يحترمها، خاصة وأنه متعلق بأمه المتدينة تعلقا شديدا، وبين مشاعره وحبه لصديقه الألماني.
أما إسماعيل فهو شرطي من أصل تركي متزوج من ألمانية ولديه منها طفل، إلا أنه -ومنذ عدة سنوات- كان يطارد إحدى اللاجئات السريات من البوسنة ليصيبها برصاصة تودي بحياة جنينها. إسماعيل لا ينجح في التغلب على عقدة الذنب التي ترافقه طوال الوقت. و تبدأ هذه الشخصيات الثلاثة في البحث عن مخرج من هذه التجارب النفسية العنيفة عبر البحث عن الذات والأصول والدين، لتحاول كل شخصية معالجة هذه الآلام.
محاولة لكسر الكليشيهات المنتشرة عن الإسلام
الفيلم، الذي تدور أحداثه في العاصمة برلين، نال إعجاب النقاد الذين شاهدوه، والذين اعتبروه فيلما يعرض رؤية معاصرة لمشاكل أبناء الجيل الثاني من المهاجرين. كما أن برهان قرباني نجح في إظهار التنوع الفكري بين المسلمين ليكسر الكليشيهات، التي ترتبط في العقول الغربية بالمسلمين. وربما تكون فكرة الاستعانة بممثل داكن البشرة من إحدى العناصر التي استعان بها قرباني لإظهار هذا التنوع بين المسلمين ليكسر على سيبل المثال كليشيه أن كل مسلم، له ملاح عربية. وربما نبعت هذه الفكرة من تجربة قرباني الشخصية، فملامحه تبدو للوهلة الأولى صينية وكما يذكر قرباني في إحدى أحاديثه أمام الصحفيين أنه كان يجب عليه أن يوضح دائما أنه من أصول أفغانية.
برهان قرباني من مواليد عام 1980 وجاء والداه من أفغانستان إلى ألمانيا نهاية عام 1979 هروبا من الاتحاد السوفيتي آنذاك في البلاد. وعاش قرباني في عدد من المدن الألمانية نظرا لعمل والده في القواعد العسكرية للجيش الأمريكي في ألمانيا. و في عام 2000 بدأ قرباني في العمل في مسارح مدينة شتوتجارت قبل أن يبدأ دراسة السينما عام 2002 في أكاديمية السينما في بادن فورتمبرج. وقام قرباني بإخراج العديد من الأفلام القصيرة. أما فيلم "شهادة" فهو أول فيلم روائي يقوم بإخراجه وهو يعيش حاليا في حي نويكولن في برلين والذي يتسم بالتنوع الثقافي الشديد، حيث تسكنه نسبة عالية من المهاجرين والأجانب من شتى الأصول والجنسيات.
الكاتبة: هبة الله إسماعيل – برلين
مراجعة: سمر كرم