"على المثقف النفاذ من الثغرات لمواجهة التهميش والتأثير على محيطه"
١٨ مايو ٢٠٠٦لا يمكن إغفال دور عدد من المثقفين المهاجرين الذين أغنوا الثقافة الألمانية المعاصرة وفتحوها على أفق رحب. ومن بين هؤلاء عادل قرشولي، هذا الكاتب الذي تتعدد اهتماماته بين الشعر والمسرح والكتابة الصحفية. هاجر من سوريا إلى ألمانيا منذ 45 سنة واستقر في مدينة لا يبزع. حصل على عدة جوائز أهمها جائزة مدينة ليبزغ الأدبية سنة 1985 وجائزة شاميسو سنة 1991 التي تمنحها الأكاديمية البافارية للكتاب الأجانب الذين يكتبون بالألمانية. يكتب عادل قرشولي باللغتين الألمانية والعربية، حتى أن أحد النقاد الألمان ذهب إلى حد وصفه بـ "الهدية الربانية". ولقد تلقى نبأ الإفراج عن الرهينتين الألمانيين في العراق، اللذين ينحدران من مدينته لايبزغ، بارتياح كبير إذ قال: "في الحقيقة تلقينا الخبر بارتياح كبير، لأنه لو حدث لهما أي مكروه، لصب ذلك في طواحين أولئك الذين يعممون بعض الظواهر على حضارة بأكملها".
التأقلم الواعي بدلا من ذوبان الهوية
لم يمض وقت طويل على دخول قانون الهجرة الحالي الجديد حيز التطبيق حتى بدأت بعض الولايات الألمانية باعتماد إجراءات إضافية تعقد عملية اندماج المهاجرين في مجتمعهم الجديد كما هو الحال بالنسبة لولاية بادن فويرتنبيرغ. فقد فرضت هذه الولاية على المهاجرين المقيمين فيها اختبارا شفويا كشرط من شروط الحصول على الجنسية الألمانية. والظاهر أن عددا من الولايات ستسير في نفس الاتجاه. وقد أثار هذا الإجراء استياء كبيرا لدى المهاجرين والمهتمين بقضايا الهجرة من جملتهم الكاتب قرشولي الذي يرى أن "هذه اللائحة من الأسئلة مهينة إلى حد بعيد، لأنها تجنح إلى التعميم وإلى إدانة مسبقة". هذا بالإضافة إلى أن الطريق الصحيح للاندماج في نظر الكاتب، يكون عبر الالتزام الكامل بالدستور وبمقتضياته بدلا من إقحام مواضيع أخرى في هذه القضية لأسباب سياسية أو انتخابية. ويضيف: "أنا أدعو المهاجرين دائماً إلى التأقلم الواعي والانخراط في نسيج المجتمع الألماني ومؤسساته ولكن ليس من خلال إذابة ثقافتهم بقرار، فمحاولات الإذابة القسرية ومحو الذاكرة لن تقود إلا إلى ردود أفعال عكسية". ويرى قرشولي بأن إتاحة فرص التعلم والتأهيل المتكافئ للجيلين الثاني والثالث من الأجانب في رياض الأطفال والمدارس ومؤسسات التأهيل المهني والعلمي وإيجاد فرص عمل لهم وحدها الكفيله بتحقيق هذا الانخراط. وفي هذا الإطار على الدولة اتخاذ خطوات كثيرة حتى يتمكن الأجانب من الاندماج لاحقا في مجتمعهم الجديد".
هل العنصرية من مخلفات ألمانيا الشرقية؟
كان للحادث العنصري الذي تعرض له أحد المواطنين الألمان من أصول أفريقية في بوتسدام وقعا كبيرا على الساحة السياسية الألمانية. هذا الحادث أعاد للأذهان من جهة صور اعتداءات النازيين الجدد على الأجانب في السنوات الأخيرة، ومن جهة ثانية حاول عدد من السياسيين الألمان استغلاله واعتبار ظاهرة العنصرية من مخلفات ألمانيا الشرقية. وفي هذا الصدد يقول محاورنا "لاشك أن الحساسيات والتحفظات والأحكام المسبقة ضد ما هو غريب هي ظواهر إنسانية عامة في كل المجتمعات. ولاشك أن هذه الظواهر كانت منتشرة كذلك قبل الوحدة في شرق ألمانيا. ولكن حين يبقى الأمر في هذا الإطار دون أن يتم توظيفه من قبل السياسيين ووسائل الإعلام يمكن التعامل معه بعقلانية. المعادون للأجانب يدعون اليوم عادة لتبرير هذا العداء بكون الأجانب يسلبونهم فرص عملهم من ناحية وأنهم ينتمون إلى ثقافات أدنى من ثقافاتهم والتي تريد استلاب ثقافتهم منهم. وهم يعممون في أغلب الأحيان للتدليل على ذلك ظواهر فردية أو استثنائية ويسقطون عليها مسببات عنصرية وحضارية. أما الأجانب الذين كانوا يتواجدون في ألمانيا الشرقية فكانوا قلائل من ناحية وكانوا من ناحية أخرى في أغلبهم إما منفيين سياسيين أو طلبة، وعادة ما يشكل هذا الصنف من الأجانب النخبة في بلدانهم الأصلية. كما كانت السياسات المعلنة للدولة لا تسمح لأي سياسي باستغلال حادث فردي وتعميمه عنصرياً أو حضارياً". كما يشكك عادل قرشولي كذلك في المقولة التي تدعي أن اليمين المتطرف ينشط في الشطر الشرقي للبلاد أكثر منه في الشطر الغربي، ويرى أن إلصاق ظاهرة العنصرية بالشطر الشرقي لألمانيا، فيه إجحاف كبير. إن الشطر الشرقي من ألمانيا بعد الوحدة في نظره، عرف فراغا سياسيا وإعلاميا، استغل بشكل كبير لأسباب سياسية، بل وفي أحيان كثيرة لأسباب انتخابية ضيقة، كما أن البطالة في الشطر الشرقي والتي تبلغ أحياناً ضعف معدلاتها في الشطر الغربي مهدت الأرض لممثلي اليمين المتطرف من الأيديولوجيين والممولين المتواجدين في أغلبهم بغرب ألمانيا للعمل بين هؤلاء حسب رأيه. ويضيف إن وزير داخلية بوتسدام اعتذر على كل حال عما زعمه في هذا الصدد.
شروط الحوار الحضاري
لقد تم استغلال أزمة الرسوم الكاريكاتورية للصحيفة الدنماركية من طرف عدد من المتطرفين سواء في الجانب الغربي أو العربي الإسلامي. وأظهرت هذه الأزمة أيضا أن هناك نقصا كبيرا في الحوار بين الثقافات والأديان، مما يلزم الطرفين بضرورة فتح حوار بينهما بأسرع وقت ممكن. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه علينا هو، ماهي شروط هذا الحوار؟ و في هذا السياق صرح قرشولي: " أنا أرى أنه لا يمكن إجراء حوار حقيقي إذا بقي كل طرف يبحث عن نفسه في الطرف الآخر وإذا لم تتوفر النية لدى الطرفين وخصوصا لدى الطرف الأقوى لتفهم مخاوف الطرف الآخر، أعتقد أن الطرف الأضعف يريد هذا الحوار كي يتجنب مزيداً من المآسي". إن الحوار الذي يراه محاورنا جديراً بأن يردم الهوة بين الطرفين هو الذي يتم بدرجة رئيسية على أساس سياسي واقتصادي، لأنه هو الكفيل بإيجاد أرضية مشتركة. أما الحوار الديني أو الذي يكون على أساس لاهوتي حسب تعبير قرشولي فلا يقود لأية نتيجة، لأنه حوار مبني على حقائق إلهية، يعتقد معها كل طرف أنه هو الوحيد الذي يمتلك الحقيقة المطلقة.
دور المثقف العربي المهاجر
يرى قرشولي أن "وسائل الإعلام وخاصة المرئية منها، والتي أصبحت اليوم تستحوذ على الحيز الأكبر في عملية تكوين الوعي الجمعي أضحت تكرس الأحكام المسبقة وتدخلها إلى حيز اللاوعي لاستخدامها في كل لحظة بصيغها التعميمية. وهي تسعى ما استطاعت في برامجها المتصدية للحوار مع الآخر إلى تغييب الرأي المتوازن، إذ أنها لا تفتح في غالب الأمر حوارا إلا مع أحد نموذجين إما مع من يتبنى ما يريد أن يسمعه منه الآخر وإما مع الأصولي المتطرف". ومن هذا المنطلق يبقى تأثير المثقف الباحث عن معادلات وسطية أو عن نتائج مركبة وفق تعبير هيجل وفق نظره محدوداًً في هذا المناخ بسبب محاولات تهميشه. ولا يبقى أمامه حتى لا يستسلم للأمر الواقع إلا محاولة النفاذ من الثغرات المتاحة والقفز من النوافذ والسعي للتأثير بأكبر قدر ممكن على أقل تقدير في المحيط الذي يعيش فيه والدوائر التي باستطاعته التحرك فيها بحرية.
أجرى الحوار: محمد مسعاد