غياب رؤية واضحة لدور الناتو قبيل أول اجتماع له في دولة عربية
٦ أبريل ٢٠٠٦يعقد حلف شمال الأطلسي وشركاؤه السبعة في حوض البحر المتوسط اجتماعا يوم غد الجمعة في العاصمة المغربية الرباط. ويهدف الاجتماع الى تعزيز التعاون الذي بدء قبل نحو 10 سنوات. وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ياب دي هوب شيفر الاثنين في بروكسل "انه اجتماع يعقد على مستوى رفيع ويحمل دلالة كبرى لأنها ستكون المرة الأولى التي يجتمع فيها مجلس الحلف الأطلسي وجميع السفراء في الرباط". وسيرأس دي هوب شيفر الاجتماع في العاصمة المغربية.. وجاء في بيان صادر عن الخارجية المغربية أن الممثلين الدائمين للدول الـ26 الأعضاء في مجلس الحلف والمدراء السياسيين في وزارات خارجية الدول السبع المشاركة في "الحوار المتوسطي" (إسرائيل والأردن ومصر وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا) سيحضرون الاجتماع. ويكتسب هذا الاجتماع دلالة رمزية كبيرة كونه يعقد لأول مرة في تاريخه وعلى هذا المستوى في دولة من دول المغرب او الشرق الأوسط. وستقام مأدبة عشاء يوم الخميس على شرف المشاركين على أن تبدأ النقاشات الجمعة خلال جلسة مغلقة تعقد في مقر وزارة الخارجية.
مواضيع القمة
قال دي هوب شيفر انه سيتم التطرق إلى "التقدم في الحوار المتوسطي وتعاوننا العملي والسياسي"، مضيفا أن "النقاشات ستشمل بالتأكيد شقا سياسيا وعسكريا". وأضاف البيان الصادر عن الخارجية المغربية أن الاجتماع يرمي إلى "توطيد العلاقات السياسية القائمة منذ نحو 10 سنوات بشكل ملموس". و"الحوار المتوسطي" برنامج تعاون أطلق في 1995 بين الحلف الأطلسي وسبع دول من المغرب والشرق الأوسط، لكنه لم يتجاوز أبدا مرحلة الاتصالات غير الرسمية بسبب النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني والتحفظات التي أبدتها هذه الدول لإجراء تقارب مع الحلف الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. وقرر قادة الحلف الأطلسي إعادة تحريك هذا الحوار في حزيران/يونيو 2004 في اسطنبول. وجرى اللقاء الأخير بين الحلف الأطلسي والدول السبع في شباط/فبراير في صقلية على مستوى وزراء دفاع كل دولة معنية. وكان الأمين العام للحلف أعلن في حينها "علينا العمل لتحسين مفهوم الحلف الأطلسي" في المغرب والشرق الأوسط. ويسعى الحلف، الذي يضاعف علاقات الشراكة عبر العالم, إلى إقامة علاقات تعاون وثيقة مع العالم العربي والإسلامي.
اهتمام عربي رسمي بالحلف
لا يخفي القادة في المنطقة اهتمامهم بالحلف الأطلسي والتقرب منه لما يملكه هذا الحلف من سلطة وقوة في عالم ما بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال منافسه حلف وارسو الاشتراكي. وقد اعربت كل من المغرب والجزائر واسرائيل عن اهتمامها بالمشاركة في عملية "اكتيف انديفور" التي اطلقها الحلف الاطلسي في المتوسط بعد اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001. وهذه العملية تكمن في تسيير دوريات بحرية في المتوسط ومضيق جبل طارق لمراقبة حركة السفن التجارية. المملكة المغربية، التي تعتبرها الولايات المتحدة حليفها الرئيسي خارج الأطلسي، أعربت صراحة في بيان لوزارة الخارجية انها "تسعى بشكل دائم إلى تعزيز التعاون مع الحلف الأطلسي". وقالت الوزارة انه "من الضروري تخطي المقاربة الأمنية البحتة لمعالجة الأسباب الحقيقية للتحديات المعاصرة أي التنمية الاقتصادية والاجتماعية". ولا شك أن الرباط تأمل من خلال علاقاتها الجيدة مع الحلف تفهما لسياستها المتعلقة بقضية الصحراء الغربية ودعما مباشرا في صراعها الخفي مع جارتها الجزائر حول قضايا عديدة. هذا بالإضافة إلى حاجة المغرب الى دعم دولي في محاربة الإرهاب الذي اثبت فاعليته على الأراضي المغربية في السنوات السالفة، كان آخرها اكتشاف السلطات المغربية لخلية إرهابية للقاعدة كانت تخطط لعمليات عسكرية في فرنسا وميلانو، على حد قول السلطات الأمنية المغربية.
صورة سلبية للحلف في الشارع العربي
أما على الصعيد الشعبي، فان هذا الاهتمام يكاد يكون غائبا. فالشعوب العربية التي تبدي تحفظات حيال المنظمة العسكرية الغربية، وتنظر إلى الحلف على أنه أداة لتنفيذ السياسات الغربية وحماية مصالح أعضاءه وخصوصا الدول المهيمنة فيه كالولايات المتحدة وبريطانيا. صورة الحلف في الشارع العربي سلبية للغاية، وطالما لم يقم الناتو بخطوات عملية تقربه من هذا الشارع، لن يتحقق التغيير المرجو المتمثل في تجاوز هذه الصورة بشكل يؤهله للعب دور ايجابي وحيوي في المنطقة. الدكتور مصطفى العلاني، الباحث في معهد أبحاث الخليج في دبي، يرى أن على الناتو أن يبذل الكثير من الوقت والمال في السنوات القادمة أولا من أجل دراسة وتحليل أسباب ومسببات هذه الصورة السلبية، وثانيا من اجل وضع الخطط العملية لتجاوز هذه الصورة وتحسينها. هذا يتطلب تفهما من قبل الناتو للعقلية العربية والرواسب التاريخية التي تجذرت في هذه العقلية منذ عهود الاستعمار القديمة مرورا بالحروب العربية الإسرائيلية وقيام دولة إسرائيل وانتهاء بالحرب على العراق.
صعوبة الفصل بين الأعضاء والحلف
يرى الدكتور العلاني أن الرأي العام العربي يعتبر ان الناتو لا يملك "هوية محددة" مستقلة عن هوية الأعضاء الذين قاموا بتأسيسه عقب الحرب العالمية الثانية. ولذلك فان موقف الشارع العربي من الحلف هو موقفه من سياسات أعضاءه الفاعلين في الشرق الأوسط. فعندما يتم توجيه سؤال إلى عرب عن رأيهم في سياسات وبرامج حلف الناتو يتبادر إلى أذهانهم مباشرة دور أعضاء الحلف في دعم إسرائيل سياسيا وعسكريا وفي الحرب على العراق، في حين قد لا يخطر ببال الكثيرين دور قوات الناتو في حرب البلقان وحماية شعوب البوسنة والهرسك المسلمة من التهجير والابادة على أيدي الصرب. هذه الحقائق تغيب عن أذهان الكثيرين من العرب ليس بسبب عدم اكتراثهم لما حدث في البلقان، وإنما لطغيان الأحداث السلبية في المناطق العربية وخصوصا تلك المرتبطة بحرب العراق.
عقد قمة للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي في دولة عربية هو بحد ذاته شئ ايجابي، ولكن إذا كان أحد أهداف ذلك التقرب إلى الشعوب العربية، فان تحقيق الهدف على هذه الطريقة يبدو صعبا للغاية. المطلوب هنا التوجه مباشرة للشعوب والاهتمام بالقضايا التي تخصها بشكل مباشر. حينئذ سيقوم الرأي العام بالفصل ما بين سياسة الحلف ككل وسياسة أحد أعضاءه.