مرور عام على مأساة مقتل التونسيتين أحلام وأنس دلهومي
٢٣ أغسطس ٢٠١٥الرصاص ليس ظاهرة غريبة عن مدينة القصرين التي حمل سكانها المنتفضون في عام 2011 ضد حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، على عاتقهم جزءً كبيراً من أحداث الثورة ودفعوا نظير ذلك ثمنا باهظا من أرواح الشباب ودمائهم.
ولكن عوض أن تبدأ المدينة منذ ذلك الحين في لملمة جراحها والانطلاق في إعادة البناء بعد عقود من التهميش الاقتصادي والفقر والبطالة فإنها سرعان ما تحولت من جديد إلى خط الواجهة في مواجهة أخطر أنواع حروب العصر ضد الجماعات المسلحة والمتحصنة في الجبال المحيطة بالمدينة.
وربما دفعت أحلام وأنس الثمن باهظا في هذه الحرب كونهما كانا في المكان الخطأ وفي الزمن الخطأ لدى مرورهم بسيارتهم العائلية ليلا قبل أن يصرعهم الأمن بنيرانه، لكن لا يمنع ذلك من تحديد مسؤولية الجناة في تلك المأساة وهو أمر لا يزال حتى اليوم موضع جدل لدى الجهات القضائية والحقوقية.
مجرد "خطأ"؟
يروي هشام العمري (25 عاما) أحد جرحى الثورة في القصرين اللذين كانوا حاضرين ليلة الحادث عند مقتل أنس وأحلام "وصلت بعد الحادث كان المشهد مؤلما. الفتاتان وسط الدماء كان هناك خطأ من الجانبين لكن الأعوان تسرعوا وكان يمكن أن يطلقوا النار نحو عجلات السيارة بدل التصويب مباشرة في اتجاههم".
يأتي الزائرون لعائلة دلهومي من حين إلى آخر الى الشارع المعزول لفهم ما حصل. فالرواية الرسمية تتجه الى النفي أصلا لوجود جريمة وأن الأمر يتعلق بخطأ ناجم عن عدم امتثال للوقوف من قبل المتضررين في ظرف دقيق يتعلق بمكافحة الإرهاب. ولكن قيام السلطات البلدية اليوم وفي ذكرى مقتل الفتاتين بإعادة تعبيد الطريق بشكل كامل حجب عمليا الإطلاع على الحالة الأصلية السيئة للطريق وقت الحادث.
ويعتقد منجي دلهومي والد أحلام أن أمر تعبيد طريق في مكان معزول كان أمرا متعمدا لأنه سيضعف من دفاعهم بأن الطريق لم يكن يسمح للسيارة بالسير في سرعة تفوق 20 أو 30 كلم/الساعة ما يعني أنها لم تكن في حالة فرار وكان يمكن للأمن التعاطي معها بدل المبادرة بإطلاق النار.
"أخطاء مهنية وفنية في القضية"
يوضح محامي عائلتي أحلام وأنس، رفيق الغاق وهو عضو مرصد الحقوق والحريات في حديثه مع DWعربية بأن الأخطاء المهنية والفنية ثابتة في القضية، مشيرا أيضا إلى وجود ضغط كبير من نقابات الأمن ومن وزارة الداخلية وحتى من الإعلام الموالي للحكومة للالتفاف حول القضية.
وحتى الآن يتناوب على ملف القضية ثلاثة قضاة. ومن بين 13 عنصرا أمنيا متهما في القضية تم إيقاف ثلاثة عناصر، وأخلي سبيل اثنين وتم ابقاء عنصر واحد رهن الإيقاف التحفظي.
ويرجع المحامي طول التحقيق في القضية إلى وجود طرف أمني في القضية. ويتوقع أن يتعهد الآن بالقضية قاضي جديد مع انطلاق السنة القضائية الجديدة الشهر المقبل بعد أن كان المحامي طلب بإعادة استجلاب ملف القضية من المحكمة الابتدائية بالقصرين وتحويله الى المحكمة الابتدائية بصفاقس.
معاناة مزدوجة
وعلاوة على لوعة الفقدان تشعر عائلة دلهومي وهي تحيي الذكرى الأولى لمقتل أحلام، بمعاناة مزدوجة لوجود تقصير ثاني من الدولة التونسية في عدم التمكن من إسعاف الضحيتين في الوقت المناسب بعد إطلاق النار عليهما وفرار المتهمين والتأخر في نقلهم إلى المستشفى وهو عامل كان له دور في مفارقتهما الحياة بعد أن نزفا بشكل كبير.
وبينما ترفع العائلة في ذكرى رحيل ابنيتهما شعارا بأن مكافحة الإرهاب يجب أن يقوم على حماية المواطنين وليس على قتلهم فإنها تعتبر نفسها أيضا أنها ليست في مواجهة خصم في قضيتها بل إنها تبحث فقط عن إقامة العدل واعتراف الدولة بالخطأ وأنها بالدفاع عن هذه قضية فهي تدافع عن كرامة كل مواطن تونسي.
مطالبات ألمانية
كانت السلطات الألمانية طلبت بالفعل من نظيرتها التونسية شرحا عما حدث كون الراحلة أحلام تتمتع بالجنسية الألمانية لكن لا توجد حتى اليوم تفاصيل دقيقة وثابتة عما حدث. ويبدو أن القضاء هو من سيحدد ذلك في نهاية المطاف. ويطرح هذا في الواقع مخاوف من أن يكون مآل القضية ذات المصير الذي لقيته أغلب دعاوى شهداء وجرحى الثورة الذين سقطوا برصاص الأمن والتي فشل القضاء حتى اليوم في إثبات التهم فيها على الجناة.
وفي كل الأحوال تضع القضية سمعة الدولة التونسية على المحك كما تختبر مدى استقلالية القضاء في تونس بعد فترة الانتقال الديمقراطي التي عرفتها البلاد وبناء مؤسسات دستورية وديمقراطية جديدة.
و يوضح تشارلز دوكتوليرو عضو جمعية "الملاكان" التي تعمل على مساندة قضية أحلام وأنس في ألمانيا أن تحركات جمعيته ستستمر حتى الإعلان عن الحقيقة كما ستعمل على تكثيف اتصالاتها مع المسؤولين في مدينة بون والحكومة الألمانية من أجل ممارسة ضغوط على الحكومة التونسية.
ويشرح المنجي دلهومي بحرقة لـDWعربية قائلا:"نحن لن نأتي بالدولة الألمانية حتى تدافع عنا في تونس. نحن نطلب من الدولة التونسية أن تدافع عن حق أحلام وأنس فهما تونسيتان".
ويتابع المنجي بلوعة "ستهدأ لوعتي عندما أرى المجرمين في قصر العدالة وأن تعترف الدولة بالخطأ. سيمنح هذا شيئا من رد الاعتبار معنويا. نحن لا نبحث عن أي تعويض آخر غير ذلك".
وكان والي القصرين الذي حضر مع المدعوين لإحياء الذكرى قد أعلن عن اجراءات رمزية لتخليد ذكرى أحلام وأنس من بينها اطلاق اسميهما على الشارع الذي شهد الحادثة ووضع مجسد في مفترقه يمثل حمامتين وميزان رمزا للعدالة وبناء جامع يكون وقفا للشهيدتين وتظاهرة ثقافية في مجال السينما تحمل اسميهما.
وقال الوالي عاطف بوغطاس لـDWعربية "هي حادثة أليمة ونقطة سوداء ولكن هناك ثقة في القضاء التونسي. نحن نريد أن تكون هذه الذكرى تجسيدا للعلاقة بين المانيا وتونس وبين مدينتي القصرين وبون".