قبل إقرار الاتفاق السوداني.. قوى المعارضة ليست على وفاق!
١٤ أغسطس ٢٠١٩لم تُفض المحادثات السودانية بين قوى إعلان الحرية والتغيير والجبهة الثورية، التي استضافتها العاصمة المصرية خلال الأيام الأولى لعيد الأضحى، لتقدم في السعي نحو تحقيق وفاق بين هذه القوى. فقد خرج المتحدث باسم الجبهة الثورية ورئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، من المباحثات ليعلن صراحة بالمؤتمر الصحفي الذي عُقد بالقاهرة أول أمس الاثنين أن "الصراع في السودان هو في الأساس صراع حول سلطة سياسية".
كان التوقيع المبدئي على وثيقة الإعلان الدستوري، والذي يمهد لتكوين مجلس وزراء ومجلس سيادي مقسم بين قوى مدنية وعسكرية ومجلس تشريعي، قد تم ببداية الشهر الجاري لحين إقرار الإعلان الدستوري رسميا خلال الأيام القليلة المقبلة.
وبعد بضعة أيام من إعلان التوصل لاتفاق مبدئي بين القوى المدنية السودانية والمجلس العسكري الانتقالي، بدأت الخلافات في الظهور، أبرزها تحفظ الجبهة الثورية السودانية المكونة من ثلاثة حركات مسلحة؛ تحرير السودان والحركة الشعبية والعدل والمساواة.
كما قرر تجمع المهنيين السودانيين، والذي يعد واحد من المكونين الرئيسيين لجبهة الحرية والتغيير، عدم المشاركة في السلطة المُزعم تكوينها في مستوييها السيادي والتنفيذي "على أن يشارك في السلطة التشريعية كسلطة رقابية"، وفقا لبيان منشور عبر حسابهم الرسمي على مواقع التواصل الاجتماعي.
"الشارع السوداني ينتظر الوصول لوفاق"
وفي حوار أجرته DW عربية، أكد الناشط السياسي السوداني شرف الدين أحمد آدم على أن الشارع السوداني "ينتظر في صمت وحذر الوصول لوفاق" قائلا: "الخلاف وقع بين الحرية والتغيير والجبهة الثورية بسبب الوثيقة، ولكن هناك قوى أخرى كبيرة ذات وزن سياسي وقاعدة جماهيرية يجب أن تُأخذ في الاعتبار، حتى أن بعض الشباب الفاعل في الشارع تم تهميشه، والشعب أصحاب المصلحة الأولى لم يتم الأخذ برأيه".
ولعل أحدث علامات غياب الوفاق العام في المشهد السوداني، وربما الأقل حدة أيضا، قبل أيام من التوقيع على وثيقة الإعلان الدستوري، هو تنديد قوى الحرية والتغيير اليوم بقيام المجلس العسكري ومن وصفوهم بـ "أعداء الثورة" بمسح جداريات الثورة من شوارع منطقة القيادة العامة وبعض شوارع الخرطوم معتبرين ذلك "انتهاكاً واضحاً وامتداداً مقصوداً لطمس أحد أهم ملامح الثورة"، وفقا لبيانا رسميا صدر اليوم الأربعاء (14 أغسطس/ آب).
المحادثات في مصر
وعبر حسابه على موقع تويتر، أعلن رئيس حركة وجيش تحرير السودان، إحدى فصائل الجبهة الثورية، مني أركو مناوي، فشل المفاوضات الأخيرة التي شهدتها القاهرة بين الحرية والتغيير والجبهة الثورية.
وأصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا حول استضافة القاهرة للاجتماعات بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية بغرض "تحقيق السلام في السودان ودعماً للوثيقة الدستورية والحكومة السودانية الجديدة في سعيها لتحقيق تطلّعات الشعب السوداني"، كما شدّدت الوزارة في بيانها على مواصلة مصر لاتصالاتها مع الجميع سواء داخل السودان أو دول الجوار.
وكانت مصر قد استضافت الاجتماعات عقب اتفاق الأطراف السودانية على استئناف الحوار في بلد أجنبي بخصوص تضمين اتفاقية السلام بشأن الحركات المسلحة، التي تم إبرامها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الشهر الماضي، في وثيقة الإعلان الدستوري.
ويؤكد الناشط السياسي السوداني شرف الدين أحمد آدم على أهمية الدور المصري، لكنه يرى أن الدافع وراءه هو الرغبة في "لعب دور الوسيط الإقليمي ونقل السودان من إثيوبيا إلى مصر" قائلا: "هناك قوى سياسية لم تشارك في محادثات القاهرة ويجب على قوى إعلان الحرية والتغيير والجبهة الثورية إدراك أن المشكلة السودانية لن يتم حلها من خلال التفاوض بينهما فقط، فالمشكلة في السودان معقدة جدا".
"قوى الهامش" تسعى للخروج منه
ولعل العلامة الإضافية على التوتر الذي يشوب الأجواء السياسية السودانية بسبب تحفظ بعض القوى المدنية في السودان على بنود الإعلان الدستوري، دعوة ما تم وصفه بـ "قوى الهامش" للتظاهر في السادس عشر من الشهر الجاري، قبل يوم واحد من التاريخ المحدد لتوقيع الاتفاق التاريخي السوداني.
وفي حواره مع DW عربية، يشرح الناشط السياسي السوداني شرف الدين أحمد آدم الغرض من التظاهر قبل توقيع وثيقة الإعلان الدستوري موضحا: "الهدف من الدعوة للتظاهر هو تسليم مذكرة لكل من الحرية والتغيير والمجلس العسكري للإشارة إلى التحفظ على بعض نقاط الوثيقة والتأكيد على أن الشعب هو صاحب المصلحة والوجع والألم ويجب الاستماع إلى صوته من جانب كافة المفاوضين قبل مشاركة أي أشخاص في أي مجالس".
وكانت أنيته فيبر، الباحثة بالمعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في العاصمة الألمانية برلين، قد اعتبرت، في تصريحات سابقة لـ DW عربية، إن سيادة القانون وقطاع الأمن والاقتصاد هي القضايا الأكثر إلحاحا في السودان حيث قالت: "داخل الحركة الاحتجاجية نفسها هناك مجموعات مختلفة للغاية تمتد من الحزب الشيوعي مرورا بالنقابات إلى الحركات الإسلامية، هذه الأطياف اتحدت ضد الدكتاتور وجمعتها العلاقة المتوترة مع المجلس العسكري، الآن ستطرح هذه الاختلافات تحديات ويجب على هذه الأطراف أن تنجح في إيصال تصوراتها إلى المفاوضات".
ويتفق الناشط السوداني شرف الدين أحمد آدم مع الباحثة الألمانية حول أهمية أخذ مشاكل الشعب السوداني الحقيقة ومعاناته لسنوات طويلة في الاعتبار قائلا: "نتمنى أن تكون هناك انتخابات مبكرة لمجلس أو جمعية تأسيسية لضمان تمثيل جميع القوى قبل الوصول لأي اتفاق وإلا سيكون هذا الاتفاق المُزعم عقده بمثابة إعلان سياسي فقط". كما عبر شرف الدين عن تخوفه من أن "تكون وثيقة الإعلان الدستوري قاسمة أكثر منها جامعة في الفترة المقبلة".
دينا البسنلي