قطر: سباق الريادة في المنطقة وسر الموازنة بين الأضداد
٣٠ يناير ٢٠١٢أتصفح الجريدة صباحا لأتابع تطورات الأحداث في منطقة الشرق الاوسط فيثير انتباهي الإشارة إلى قطر في معظم الإخبار المنشورة، فقد غادر إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة صباح الاثنين غزة إلى قطر للقاء عدد من المسؤولين وعلى رأسهم أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. كما قام زعيم حركة حماس خالد مشعل أمس الأحد بأول زيارة رسمية إلى الأردن منذ عشر سنوات، ورافقه في الزيارة ولي عهد قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
فيما يزور الرئيس الكوري الجنوبي لي ميونج باك قطر في التاسع من شباط/ فبراير ليبحث مع الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني سبل تعزيز علاقات الدولتين فضلا عن قضايا عالمية مثل التغير المناخي والنمو الأخضر.
وحتى حركة طالبان الأفغانية اختارت قطر مكانا لتحل فيه خلافاتها مع الولايات المتحدة وفتحت مكتبا فيها، كما ذكر مسؤول سابق في حركة طالبان أمس مشيرا إلى أن مفاوضين يمثلون الحركة بدأوا في قطر محادثات تمهيدية مع مسؤولين أميركيين تهدف إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ عشر سنوات في أفغانستان.
جزيرة مساحتها 11.400 كيلومترا مربعا تضم مليونا وسبعمائة ألف نسمة أكثر من نصفهم وافدون، ودولة لا يزيد عمرها عن 40 عاما، مع هذا فإن دورها في سياسات المنطقة أضحى اليوم هو الأكبر. واجهته الأشهر هي فضائية الجزيرة التي يعرفها كل العالم كأهم واجهة إعلامية عربية، وهذا يذكر المراقب بإمارة موناكو وإذاعتها العربية الشهيرة مونت كارلو، لكن موناكو لم تكن لاعبا سياسيا، فكيف وصلت قطر إلى موقعها السياسي الدولي المهم؟
"قوة قطر من وجود قاعدة العديد الأمريكية فيها"
في إجابته عن هذا السؤال أشار الباحث و المؤرخ رشيد الخيون في حديث إلى دي دبليو عربية إلى " أن قطر بعد الانقلاب السياسي الذي قام به الأمير حمد بن خليفة آل ثاني عام 1995 صارت منطقة نشاط للقوى القومية ممزوجة بقيادات الأخوان المسلمين، وصارت تتجه إلى أن يكون دورها أكبر من حجمها كجزيرة، ثم تعزز هذا التوجه بإنشاء قناة الجزيرة عام 1998، وقد استمدت هذه الدولة الصغيرة قوتها من وجود قاعدة "العديد" ألأمريكية فيها، ومنها انطلقت الطائرات الأمريكية التي أسقطت نظام صدام حسين.
قطر التي تعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم وتتمتع بأعلى مستوى دخل فردي في العالم ، تزحف اقتصاديا بشكل مضطرد باتجاه ينافس كبريات دول العالم، وهو ما ذهب إليه الباحث رشيد الخيون مشيرا إلى أن هذا النشاط لا شك يعزز من حضورها السياسي العربي والإقليمي وحتى الدولي، وعاد الخيون ليذكّر بخلفيات حضورها السياسي مشيرا إلى "أن الأخوان المسلمين بحثوا عن متعاون يسهل لهم تنفيذ مشروعهم السياسي الذي لا يعرف حدود، وهذا المتعاون يجب أن يكون صاحب تأثير ونفوذ لدى الأمريكيين إضافة إلى ضرورة امتلاكه للثروة ، وكما نعلم فإن من يمتلك تأثيرا على الأمريكيين لابد أن يكون متصالحا مع إسرائيل، ولقطر علاقات طيبة مع إسرائيل، هذا الوضع جعل من قطر مقبولة بقوة لدى الأمريكيين، ومقبولة بقوة أيضا من قبل القوى الدينية".
وعلق الخيون على علاقة دولة قطر بفضائية الجزيرة وأيهما يؤثر في الأخرى بالقول:"قطر هي فضائية الجزيرة، فلو افترضنا أن هذه القناة ألغيت الآن، لاشك أن أحدا بعدها لن يذكر قطر بخير أو بشر".
ويتفق مع هذا الرأي د. شملان العيسى مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والمستقبلية متحدثا من الكويت إلى دي دبليو عربية ومضيفا أن" قيادة قطر قيادة شابة وجريئة وتمتلك المال السياسي الذي يؤهلها ان تلعب دورا رياديا في سياسات المنطقة، وقد لا يعجب هذا القول بعض الناس، لكنه حقيقة عززها النجاح الباهر لفضائية الجزيرة وهي مشروع قطر الإعلامي للدخول إلى رُحبة السياسة العربية والدولية".
"هل تأخذ قطر دور السعودية ومصر في ريادة العرب"
بغياب مصر عن المشهد السياسي منذ أواسط تسعينات القرن الماضي، تولت المملكة العربية السعودية دور الريادة في المنطقة العربية. مصر اليوم مشغولة بالتغيرات فيها لدرجة أبعدتها تماما عن التأثير في الساحة العربية، كما يرى الباحث رشيد الخيون مبينا "أن قطر خطفت بالكامل دور السعودية في المنطقة كدولة متصدرة للعالمين الإسلامي والعربي ، قطر حلت اليوم محل السعودية، ليس عبر الامتداد الجغرافي الأرضي فقط وإنما عبر الامتداد المذهبي ، حيث ان قطر تتبع المذهب السلفي كما هو الحال مع السعودية، أي ان قطر صارت بديلا سلفيا عن السعودية، واعتقد أن الأمريكان في مشروع الشرق الأوسط الجديد اعتمدوا على قطر لتكون نموذج الريادة، ولذا رأينا حضور قطر القوي في ليبيا ومصر واليمن ودورها اليوم في سوريا، ولا ننسى دورها في العراق".
خالف هذا الراي د. شملان العيسى مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والمستقبلية في الكويت مشيرا إلى أن" للسعودية ثقلها الذي يفرضه حجمها وكثافتها السكانية ومكانتها التاريخية، لكن السعودية كانت على مدى الزمن متحفظة في قراراتها، والتغيرات السريعة في المنطقة لا تحتمل التأخير، من هنا جاءت أهمية الدور القطري، فقيادتهم تتبنى عنصر المجازفة في القرارات، وخير مثال على ذلك مشاركتهم مع قوات الناتو بضرب مواقع قوات القذافي، وهذا دور جرئ لم تجرؤ عليه أية دولة عربية من قبل".
قطر: علاقة توازن مع الأضداد
لعل من الصعب على أي كان أن يقيم علاقات متوازنة مع أطراف متضادة، فإذا كانت قطر هي حليفة الولايات المتحدة الأمريكية كما يقول كثيرون، فكيف تفسر علاقتها القوية بإيران؟ وإذا كانت علاقاتها طيبة مع إسرائيل فكيف تفسر علاقاتها الطيبة مع تنظيم القاعدة ونظام طالبان؟ وتتوالى الأسئلة عن العلاقات المتناقضة ، د. شملان العيسى تساءل بدوره" كيف لقطر أن تجمع في علاقاتها الأضداد؟ ربما يفسر ذلك الوضع العربي الغريب، إذ لا توجد مساءلة سياسية عما تفعله هذه الدولة، ففي الوقت الذي تستضيف فيه اكبر قاعدة عسكرية في المنطقة، تمارس قطر عبر فضائية الجزيرة دورا عدائيا لأمريكا، في جواب هذه الأسئلة أجد أن الأمريكيين راضون عن أداء هذه الدولة وأداء إعلامها".
ملهم الملائكة
مراجعة: يوسف بوفيجلين