مؤتمر برلين للأمن يدعو إلى بلورة سياسة أوروبية خارجية وأمنية مشتركة
٢٤ أكتوبر ٢٠٠٦بعد فشل إقرار الدستور الأوروبي الموحد في العام الماضي تبخرت آمال النخبة السياسية الأوربية في بلورة سياسة أوروبية خارجية وأمنية مشتركة تليق بثقل القارة الأوروبية كعملاق اقتصادي كبير. كما أدى هذا الفشل إلى غياب كامل لفكرة خلق منصب وزير خارجية يمثل كل دول الإتحاد الأوروبي، علاوة على جيش أوروبي موحد. لكن ورغم تعثر تلك الطموحات تحاول نخبة صناع القرار الأوروبي وجملة من الخبراء الأمنيين في مؤتمر برلين للأمن على التأكيد على أهمية بلورة هذه السياسات المشتركة. ويعتبر هذا المؤتمر بمثابة مناسبة سنوية يبحث خلالها الخبراء الأمنيون والساسة سبل تعزيز التعاون بين دول الإتحاد الأوروبي في مجالات الدفاع والأمن. إلى ذلك، سيحاول المؤتمرون على مدى يومين، من 23 إلى غاية 24 من أكتوبر/تشرين الثاني 2006، في العاصمة الألمانية برلين تقريب وجهات النظر الأوروبية وتعزيز أليات التعاون فيما بينهم.
تعاون ناجح لكنه...
يشارك في فعاليات المؤتمر الخامس للأمن في برلين عدد من خبراء الدفاع، حيث استقبلت برلين منذ أمس أكثر من 2000 خبير أمني و25 وزيرا وأكثر من مائة أميرال وجنرال من شتى الدول الاوروبية. وفي بداية المؤتمر أشار رئيس المؤتمر كارل فون فوغاو، ممثل الحزب المسيحي الديموقراطي في البرلمان الأوروبي، إلى التعاون الناجح بين الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي في المجال الأمني، حيث اعتبر السياسي الألماني أن إشراف قوات الناتو على مهام حفظ الأمن في البوسنة والهرسك تمثل أحد أوجه النجاح المثمر بين تلك الدول. كذلك اعتبر فون فوغاو أن قرار إرسال قوات دولية عددها نحو 2000 عسكري إلى الكونغو تحت قيادة أوروبية يعتبر خطوة إيجابية نحو الأمام.
...يحتاج إلى تنسيق أكبر في المجال العسكري
ورغم أن نشاط القوات الأوربية في عدد من مناطق التوتر يعد أمرا إيجابيا، إلا أن تلك الخطوات التي تحدوها الدول الأوربية في سبيل تعزيز الأمن وضمان الاستقرار تظل في مجملها غير كافية. فهناك العديد من الساسة الأوروبيين، ومن بينهم رئيس المؤتمر فون فوغاو، الذين ينادون بإنشاء جيش أوروبي موحد وتوحيد إمكانياته العسكرية. أما حاليا فتقوم كل دولة أوروبية بتجهيز وحداتها العسكرية بما تراه مناسبا لأغراضها الدفاعية. فاختلاف معدات تكنولوجيا الاتصالات العسكرية الذي تمخض عن تلك السياسات يؤدي، في نظر الخبراء العسكريين، إلى الكثير من الصعوبات حال قيام فرق من الجيش الألماني على سبيل المثال بمهام عسكرية مشتركة مع الجيش اليوناني. فغالبا ما يتسبب استخدام معدات عسكرية مختلفة في تعقيد المهام العسكرية والتسبب في نفقات مالية باهظة يمكن تجنبها. وحول المشاكل الناجمة عن اختلاف المعدات العسكرية يقول فون فوغاو: " تنفق الدول الأوروبية 170 مليار يورو سنويا في مجال الدفاع. تلك الميزانية تمثل 40 في المائة من النفقات العسكرية الأمريكية". وأشار السياسي الألماني إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية انتقدت خطة الإنفاق العسكري لدول الإتحاد الأوروبي. فهم ينفقون 40 في المائة من ميزانية التسلح الأمريكية إلا أن فاعلية تلك المعدات لا تتجاوز 10 في المائة من القدرات الأمريكية.
... وإصلاح أجهزة الإتحاد
تبني سياسية أوروبية ناجعة للدفاع المشترك يتطلب في نهاية الأمر دستورا أوروبيا موحدا يكون معززا بقواعد واضحة تحدد معالم سياسة الإتحاد الأوروبي الخارجية والأمنية. هذا هو رأي السياسي الألماني المخضرم إيلمر بروك، رئيس اللجنة المكلفة بالشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي، الذي انتقد بنية الإتحاد الأوروبي ذات المعالم غير الواضحة. وأضاف برك في هذا السياق: "يوجد عندنا سياسي يملك تقنية وإمكانيات مادية وآخرا لا يملك المال لكنه ملزم باتخاذ قرارات سياسية، ولدينا شخص ثالث يتم تنصيبه بالتداول كل ستة أشهر لقيادة مجلس وزراء الخارجية". واعتبر المسئول الأوربي أن هذه الآلية لا يمكنها أن تعمل بشكل فاعل يتوافق مع. أما الشعوب الأوروبية فترحب بمسألة بلورة سياسة أوروبية موحدة للأمن والخارجية، إذ عبر نحو 77 في المائة من الأوروبيين في استطلاعات الرأي الأخيرة عن تأييدهم لفكرة توحيد سياسات الدول الأوروبية من أجل بلورة سياسة أوروبية مشتركة.
ورغم دعم السياسيين الألمانيين، بروك وفوغاو، لفكرة توحيد السياسة الأوربية الخارجية والأمنية إلا أنهما أعربا أن تلك المطالب لا تدعو إلى إضعاف منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو استبدالها. فعلى النقيض من ذلك يطالب السياسيان المخضرمان بتبني سياسة أوروبة خارجية وأمنية مشتركة لتكميل دور الناتو بهدف تعزيز قدرة الإتحاد على التعامل مع الأزمات سواء في المناطق المجاورة أو البعيدة عن حدوده.