الشرق الأوسط وولاية ترامب الثانية.. "صانع سلام" حقا؟
٢١ يناير ٢٠٢٥لم ينتظر الرئيس الأمريكي الجديد القديم دونالد ترامب كثيرا ليخرج بتصريحات وقرارات تبوح بشكل ضمني حيال ما ستقدم عليه إدارته بشأن الشرق الأوسط.
وكان ترامب تباهى حتى قبل تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة، بالدور الذي لعبه من أجل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن في غزة. بيد أنّه وبعد عودته إلى البيت الأبيض، قال "هذه ليست حربنا، إنها حربهم. لكنني لست واثقا" من أن الاتفاق سوف يصمد.
"ضمانات أمريكية"
وفي خطاب تنصيبه، وصف ترامب نفسه بأنه "صانع سلام". ومع استمرار توقف القتال في القطاع وبدء دخول المساعدات الإنسانية إليه، تعالت دعوات المجتمع الدولي لمواصلة الضغط على أطراف الصراع من أجل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة.
ويرى أشرف العشري، الكاتب الصحفي ومدير تحرير صحيفة "الأهرام" المصرية، أن هناك "فرصة كبيرة لاستمرار الصفقة بمراحلها الثلاثة".
وفي مقابلة مع DW عربية، أضاف العشري "حصلت مصر وقطر على ضمانات أمريكية بالاستمرار في تطبيق الصفقة بمراحلها الثلاثة. وأعتقد أن كل مرحلة تستغرق 42 يوما، وهذا الأمر سيحدث لأن هناك تأكيدات على إتمام مراحلها دون تقصير".
بدوره شدد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري على أن الدوحة تعتقد أن "إدارة ترامب، حتى قبل أن تصبح إدارة ترامب... كانت داعمة للغاية لهذا الاتفاق". وأضاف "من خلال كل الاتصالات التي نجريها معهم... أنهم يؤمنون بهذا الاتفاق".
وكان تقريرنشره موقع "تشاتام هاوس" البحثي ومقره لندن في 17 يناير/كانون الثاني، قد أشار إلى أن الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار سيتطلب "ضغوطا مستمرة على جميع الأطراف وخاصة من جانب الولايات المتحدة وترامب".
وحذر التقرير من أنه لا يوجد "ما يضمن عدم استئناف" القتال في غزة بعد انتهاء هذه المرحلة وربما قبلها. كما تظل الضفة الغربية نقطة ساخنة".
وكان من بين أول القرارات التي اتخذها ترامب عقب تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة، أن ألغى أمرا تنفيذيا أصدره سلفه جو بايدن وينص على فرض عقوبات على المستوطنين المتورطين بأعمال عنف في الضفة الغربية المحتلة.
"السلام الاقتصادي مقابل السلام السياسي"
ويقول مراقبون إنه يجب استمرار جهود الوساطة والتحركات الدبلوماسية من أجل تحقيق الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط.
ويعتقد الصحفي المصري أشرف العشري أن "مصير عملية السلام في الشرق الأوسط، سيعتمد على الجهود الأمريكية التي ستقوم بها إدارة ترامب سواء من خلال طرح خريطة سلام جديدة أو خطة تسوية سياسية".
وأضاف أن "هذا الأمر ربما يكون جزءا من مهمة ترامب في المرحلة القادمة لإنهاء الحروب في العالم بما في ذلك الحرب في الشرق الأوسط. هذا سوف يتوقف على ما ستقدمه إدارته من تسوية ومبادرات وأفكار ومقاربات جديدة. ربما يلجأ إلى الاعتماد على السلام الاقتصادي مقابل السلام السياسي".
واللافت أن ترامب لم يُصدر عنه حتى الآن أي تصريحات بشأن اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل.
ورغم ذلك، قال العشري إنه "مع قدوم ترامب، فإن الوضع في لبنان سوف يتخذ مسارا جديدا". وأضاف "سوف يتم بالفعل تفعيل استمرار وقف إطلاق النار بجدية أكبر. إدارة ترامب ستسعى لتقديم الكثير من التسهيلات للحكومة اللبنانية، كما سيتم إقناع إسرائيل أو دفعها لعدم القيام بأي خروقات جديدة".
وينص اتفاق وقف إطلاق النار على انسحاب إسرائيل من مناطق دخلتها في جنوب لبنان، بحلول 26 يناير/كانون الثاني الجاري.
ويشمل كذلك الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر في العام 2006 والذي من بنوده ابتعاد حزب الله عن الحدود، ونزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان وحصره بالقوى الشرعية دون سواها.
وتعتبر دول عديدة حزب الله، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية من بينها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأغلبية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كمنظمة إرهابية.
وإلى الجوار اللبناني، تتطلع سوريا إلى قرارات ترامب فيما يتعلق برفع العقوبات التي فرضتها دول غربية على دمشق خلال حكم بشار الأسد.
وفعلا أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في وقت سابق من الشهر الجاري أن بعض الأنشطة في سوريا ستكون معفية من العقوبات خلال الأشهر الستة المقبلة لتسهيل الوصول إلى الخدمات الأساسية، لكن مسؤولين قالوا إنهم ينتظرون رؤية تقدم قبل اتخاذ خطوات أوسع.
وفي رسالة تهنئة باللغة الإنجليزية، قال القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع: "نحن على ثقة بأن (ترامب) القائد الذي سيجلب السلام إلى الشرق الأوسط ويعيد الاستقرار إلى المنطقة".
"إحياء قطار التطبيع"
وبشكل عام، يعتقد مراقبون أن ترامب في ولايته الثانية بحاجة إلى طرح أفكار جديدة حتى يستطيع أن يحافظ على حضور بلاده في الشرق الأوسط مع حلفائها ومصالحها في المنطقة وحلفائها التقليديين خاصة دول الخليج ومصر والأردن.
وأشار تقرير "تشاتام هاوس" إلى أن المشاركة النشطة لترامب في إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حتى قبل تنصيبه، تأتي في إطار "أجندته الرامية إلى رؤية دول أخرى تنضم إلى اتفاقيات ابراهام التي وقعتها الإمارات والبحرين والمغرب مع إسرائيل في ولايته الأولى".
وفي مقابلة مع DW عربية، قال علي فتح الله نجاد، مدير مركز أبحاث الشرق الأوسط والنظام العالمي ومقره برلين، إن ترامب مع بدء سريان وقف إطلاق النار في غزة، يحاول "إحياء قطار التطبيع الإسرائيلي-السعودي الذي توقف فعليا بأحداث 7 أكتوبر وتداعياتها".
وأضاف نجاد، الزميل في مركز الدراسات الأمنية والاستراتيجية التكاملية المتقدمة بجامعة بون، "يمكن لترامب -وبحق - أن يشير إلى دوره الحاسم في تحقيق وقف إطلاق النار، الذي قد يكون هدفه الرئيسي تمهيد الطريق للتقارب السعودي-الإسرائيلي".