تحليل: التقسيم هل يحل نزاع الصحراء الغربية؟
٢٩ أكتوبر ٢٠٢٤عندما كُشف النقاب عن فحوى مداولات جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي حول ملف الصحراء الغربية، وذكر أن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي مستورا قد طرح فكرة تقسيم الصحراء، وبأن المغرب وجبهة البوليساريو رفضا الفكرة بشكل تام. أثار هذا التطور تساؤلات عن دوافع المبعوث الأممي لطرح اقتراحه في هذه المرحلة بالذات ومن يكون قد شجعه على طرحها؟
وفي نهاية المطاف هل تحمل هذه الفكرة بوادر حل لنزاع عمّر أكثر من نصف قرن؟
فكرة التقسيم قديمة ..كيف عادت للظهور؟
تعود فكرة تقسيم الصحراء الغربية في مرحلة أولى إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي، عندما أعلنت إسبانيا سنة 1974 نيتها الانسحاب من الإقليم، وصدور توصية من الأمم المتحدة في مايو/ أيار 1975 بشأن تقرير المصير في الإقليم.
وابتداء من منتصف السبعينيات اتسعت دائرة الصراع على الصحراء وباتت تكتسي تعقيدات عديدة، سواء بتعدد الأطراف المتدخلة في النزاع على المستوى الإقليمي والدولي أو بظهور عوامل استراتيجية مغرية للتدخلات والصراع في إطار الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والسوفيتي، مثل موارد المنطقة من المواد الأولية كالفوسفاط واحتمال وجود نفط، إضافة إلى الموقع الجيوسياسي المهم للإقليم كونه يقع على ضفة المحيط الأطلسي ويشكل حلقة وصل بين غرب القارة الأفريقية وشمالها.
ففي سنة 1975 طلب المغرب استشارة من محكمة العدل الدولية في لاهاي، حول ما إذا كان الإقليم قبل الحماية (1884) ثم الاحتلال الإسباني (1958)، قد كان "أرض خلاء"، وما طبيعة العلاقة التي كانت تربط سكان الإقليم بالمملكة المغربية؟ وأدى طلب المغرب الذي وجهته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 ديسمبر/ كانون الأول 1974 لمحكمة العدل الدولية إلى تأجيل الانسحاب الإسباني حتى صدور رأي استشاري من المحكمة، في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 1975.
ومباشرة بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 1975، أعلن الملك الحسن الثاني قراره بتنظيم المسيرة الخضراء، وتضمن قرار المحكمة إقرارها بوجود علاقة بيعة قانونية بين سكان الصحراء وملك المغرب قبل استعمار إسبانيا للإقليم وكذلك وجود علاقة مع موريتانيا، ولم تحسم الحكمة في مسألة السيادة وأوصت بتقرير المصير في الإقليم.
وبخروج المستعمر الإسباني من الإقليم بناء على اتفاقيات مدريد الثلاثية (نوفمبر/ تشرين الثاني 1975) وتقاسم المغرب وموريتانيا نفوذهما عليه، وصدور توصية من الأمم المتحدة في مايو/ أيار 1975 بشأن تقرير المصير في الإقليم. شكل إعلان المغرب تنظيم المسيرة الخضراء في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني 1975 منعطفا في تاريخ النزاع حول الإقليم وخصوصا بين المغرب والجزائر.
فبعد أسبوع واحد من المسيرة الخضراء، وبينما كان الجنرال فرانكو على فراش الموت، وقعت إسبانيا مع المغرب ومورتيانيا في الرابع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 1975، اتفاق مدريد الذي أنهى الاستعمار الإسباني للصحراء الغربية، وبمقتضاه تقاسم المغرب وموريتانيا الإقليم.
وهذه التطورات سيوازيها تحول في الموقف الجزائري الذي كان في سنة 1973 كان يؤشر إلى عدم ممانعتها من عودة سيادة الصحراء سواء للمغرب أوموريتانيا. ولكن الجزائر أبدت لاحقا موقفا رافضا للخطوة التي أقدم عليها المغرب بتنظيم المسيرة الخضراء، وفق ما ذكر في وثائق أمريكية للخارجية وللمخابرات تم رفع السرية عنها منذ سنوات. وانتقالها (الجزائر) إلى مرحلة دعم جبهة البوليساريو في المطالبة باستقلال الإقليم. وكان نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي الراعي الأول لتأسيس جبهة البوليساريو سنة 1973، قبل أن تصبح تحت نفوذ الجزائر.
وفي سنة 1976 أبرم المغرب وموريتانيا اتفاقا يقضي بتقاسمهم السيادة على الصحراء، حيث يتولى المغرب مسؤولية القسم الشمالي ويضم إقليم العيون والساقية الحمراء ويشمل السمارة، بينما تشمل مسؤولية موريتانيا إقليم وادي الذهب أي الجزء الجنوبي من الصحراء. ورفضت الجزائر إتفاقيتي مدريد والمغرب موريتانيا. وفي فيبراير 1976 أعلنت جبهة البوليساريو من جانب واحد تأسيس ما يسمى "الجمهورية العربية الصحراوية"، واتخذت من مخيم الرابوني في جنوب غرب الجزائر مقرا لها.
وسيشهد عام 1976 انتقال نزاع الصحراء من أروقة الديبلوماسية والمنظمات الدولية، ليتطور إلى صراع مسلح، حيث دخلت جبهة البوليساريو مدعومة من الجزائر، في نزاع مسلح عبر حرب عصابات ضد كل من موريتانيا والمغرب. وتحت وطأة الصراع المسلح نأت الدولة الموريتانية الضعيفة بنفسها عن منطقة النزاع المسلح، وأبرمت اتفاقية سلام مع جبهة البوليساريو.
وفي 1979، انسحبت موريتانيا من الإقليم الجنوبي من الصحراء وبسط المغرب نفوذه عليها، وزاد ذلك في حدة النزاع المسلح بين المغرب من جهة ومن جهة ثانية جبهة البوليساريو مدعومة من الجيش الجزائري، واستمر النزاع المسلح حتى بداية الثمانينات.
وبانسحاب موريتانيا من الإقليم الصحرواي عادت في أروقة الديبلوماسية بالمنطقة والعواصم الغربية المؤثرة فكرة تقسيم قديمة جديدة تلبي مطالب البوليساريو بتأسيس دولة مستقلة على شريط ترابي في الجزء الجنوبي من إقليم الصحراء، ويكون ذلك بمثابة منطقة نفوذ للجزائر التي كانت تطمح للوصول إلى مياه المحيط الأطلسي لقربها من مواقع تصدير موادها الأولية في جنوب غرب البلاد.
لكن هذه الفكرة لم تجد مجالا في الواقع. فقد رفضها المغرب بشكل قاطع، وجدد طرحه بالمقابل لصيغ تعاون مشترك بديلة مع الجزائر في منطقة الحدود الشرقية التي شملتها اتفاقية ترسيم الحدود سنة 1969. ومن الناحية الميدانية أفضى الصراع المسلح إلى سيطرة المغرب على الجزء الأكبر من المناطق التي كانت تدور فيها العمليات العسكرية وشكل بناء الجدار الترابي العازل تحولا ميدانيا حاسما في الصراع آنذاك. كما قطع السبيل ميدانيا على احتمال التقسيم الترابي (الأفقي على العرض) لإقليم الصحراء الذي يسيطر (المغرب) على أكثر من 80 في المائة من الأراضي.
وبعد عقد ونيف من نزاع مسلح راح ضحيته عشرات الآلاف من الجانبين، تم التوصل في سبتمبر/ أيلول 1991إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين جبهة البوليساريو والمغرب. وتزامن ذلك بتقارب جزائري مغربي وتأسيس الإتحاد المغاربي (1989).
وبعد عقد من محاولات الأمم المتحدة دون جدوى تنظيم إستفتاء لتقرير المصير في الإقليم، عادت فكرة تقسيم الصحراء للظهور مع المبعوث الأممي الخاص بالصحراء جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، الذي ذكر في تقرير للأمم المتحدة حول الوضع في الصحراء سنة 2002، بأن الرئييس الراحل عبد العزيز بوتفليقة أبدى خلال لقاء مع بيكر في هيوستن سنة 2001 استعدادا من جانب الجزائر وجبهة البوليساريو للتفاوض على فكرة تقسيم الإقليم. وجددت الرباط إبانها رفضها للفكرة.
دي مستورا ورث ملفا شائكا في أجواء متوترة
بعد وصول مسلسل إستفتاء الصحراء إلى مأزق، أقر مجلس الأمن الدولي سنة 2007 فكرة البحث عن حل سياسي توافقي بين أطراف النزاع. ومنذ ذلك الحين يعتبر اقتراح الحكم الذاتي الموسع الذي قدمه المغرب، ورقة العمل الرئيسية المطروحة في أجندة المفاوضات التي يسعى مبعوثو الأمم المتحدة المتعاقبون على المهمة، لتنظيمها. لكن محاولات مبعوثي الأمم المتحدة لتقريب وجهات النظر بين المغرب وجبهة البوليساريو ومعها الجزائر، أخفقت بل زادت التطورات الإقليمية والدولية في تعقيد الأمور وتفاقم حدة الصراع، وخصوصا بعد حادث معبر الكركارات سنة 2020.
وعندما تولي الديبلوماسي الإيطالي السويدي المخضرم ستافان دي مستورا في اكتوبر/ تشرين الأول 2021 مهمته كمبعوث خاص في الصحراء، بعد عامين من إستقالة الألماني هورست كولر، ورث (دي مستورا) ملفا شائكا في أجواء متوترة وقطيعة ديبلوماسية بين المغرب والجزائر، وكان اتفاق وقف إطلاق النار يترنّح.
أما على الصعيد الديبلوماسي، فقد كانت خطة الحكم الذاتي الموسع التي طرحها المغرب، تكسب المزيد من التأييد بإعتبارها "حلّا واقعيا وبنّاء"، في نظر عواصم غربية مؤثرة في القرار الدولي المتصل تاريخيا بنزاع الصحراء، بدءأ بإدارة الرئيس الجهوري السابق دونالد ترامب التي أعلنت إعترافها بسيادة المغرب على الصحراء، ثم مدريد التي أيدت خطة الحكم الذاتي التي طرحتها الرباط، ووصولا إلى باريس بإعلان الرئيس إيمانويل ماكرون في شهر يوليو/ تموز الماضي اعتراف فرنسا بالسيادة المغربية على الصحراء وتأييده لإنهاء النزاع في إطار خطة الحكم الذاتي الموسع التي طرحها المغرب باعتبارها "الأساس الوحيد" لحلّ النزاع.
وكان انطونيو غوتيريش أمين عام الأمم المتحدة قد حذّر في تقرير أممي يغطي الفترة من 1 تموز/يوليو 2023 لغاية 30 حزيران/يونيو 2024، من أن "استمرار الأعمال العدائية وغياب وقف لإطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو يمثّلان انتكاسة واضحة في البحث عن حلّ سياسي لهذا النزاع الطويل الأمد".
لماذا طرح دي مستورا فكرة التقسيم؟
بعد أكثر من عامين من الاتصالات والمشاورات، لم يحرز فيها المبعوث الأممي تقدما ملموسا باتجاه جمع أطراف النزاع على طاولة المحادثات، ظهرت من جديد فكرة التقسيم على السطح، ما أثار تساؤلات وتخمينات حول الجهة التي دفعت بها من جديد للأضواء؟
خلال جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي عقدها في منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2024، عرض مبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية بحسب محضر الجلسة: "لقد قمت بسريّة تامّة، باستئناف وإعادة إحياء مفهوم تقسيم الإقليم مع جميع الأطراف المعنية". وأوضح الدبلوماسي السويدي-الإيطالي أنّ مشروع "التقسيم" هذا "من شأنه أن يتيح، من ناحية، إنشاء دولة مستقلة في الشطر الجنوبي، ومن ناحية أخرى، دمج بقية الإقليم كجزء من المغرب يتم الاعتراف بسيادته عليه دوليا.
ولم يشر محضر جلسة مجلس الأمن إلى تبني المجلس للإقتراح، بيد أن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة نوّه إلى أنّه "لا الرباط ولا جبهة البوليساريو" أبدتا أدنى "مؤشر على استعداد" أيّ منهما للمضي قدما في التباحث بشأن هذا المقترح، مبديا "أسفه" لهذا الأمر.
وأعلنت الرباط تمسكها بخطة الحكم الذاتي الموسع التي طرحتها باعتبارها "الأساس الوحيد" لحلّ النزاع. وأكد ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي أن المغرب "لن يقبل أبداً سماع مثل هذه الأفكار"، مشيراً إلى أن موقف المملكة المغربية واضح منذ البداية، وهو أن "الصحراء مغربية ولن تكون موضوعاً لأي تقسيم". وأضاف الوزير أن هذا الرفض ليس جديداً، بل إن المغرب سبق أن أعلن نفس الموقف في عام 2002 عندما تم طرح الفكرة ذاتها من قبل المبعوث الأممي الأسبق، جيمس بيكر، بناءً على اقتراح من الجزائر.
وبينما قالت جبهة البوليساريو، إنها متمسكة باستفتاء تقرير المصير و"تؤكد بقوة رفضها التام والقاطع لأي مقترحات أو مبادرات". إلتزمت الجزائر الصمت إزاء ما ورد في محضر مجلس الأمن الدولي بشأن فكرة التقسيم.
وفي ظل غياب أية أصداء إيجابية لفكرة التقسيم التي طرحها دي مستورا، سواء من قبل أطراف النزاع أو على الصعيدين الإقليمي والدولي، زاد منسوب الفضول والتساؤلات حول دوافع ظهور هذه الفكرة في هذا التوقيت ومن أين جاء بها المبعوث الأممي.
وانطلاقا من معطيات متقاطعة يمكن وضع بعض المؤشرات حول دوافع طرح الفكرة الآن ومن يمكن أن تكون له مصلحة في طرحها؟
بصمات جزائرية؟
إذا كانت فكرة التقسيم قد ارتبطت تاريخيا بمنظور جيوسياسي جزائري، فإن صمت الجزائر على ما ورد في محضر اجتماع مجلس الأمن الذي شارك فيه مندوب جزائري، يمكن أن يساهم في ترجيح احتمال دور جزائري في تشجيع المبعوث الأممي على طرح الفكرة سواء مباشرة أو عبر حلفاء للجزائر.
فالديبلوماسي الإيطالي تمر علاقات بلاده بالجزائر بمرحلة تعاون وثيق في مجالات الطاقة والأمن والتجارة. وقبل توليها رئاسة الحكومة في روما لم تكن جورجيا ميلوني وحزبها "فراتيلي دي إيطاليا" اليميني المتطرف، تخفي تعاطفها مع قضية الصحراويين، وعبرت عن ذلك في كتابها "Io sono Giorgia: Le mie radici le mie idee" (أنا جورجيا: جذوري وأفكاري) الصادر سنة 2021.
بيد أن الحذر التي تتوخاه روما في سياستها الخارجية وخصوصا وزير الخارجية البراغماتي الوسطي أنطونيو تاجاني، قد يجعلها تنأى عن الدخول في فخ هذا النزاع الذي لم يكن لها تاريخيا دور فيه بخلاف عواصم أوروبية أخرى مثل مدريد وباريس. كما أن دي مستورا مرتبط منذ سنوات طويلة بأروقة الأمم المتحدة وبعيد نسبيا عن مراكز القرار في روما.
لكن، خلال جولاته بين العواصم ضمن مساعيه لجمع أطراف النزاع على طاولة المحادثات، كان لافتا أن دي مستورا خصص حيزا من مشاوراته مع جنوب أفريقيا، التي تعتبر مؤيدا أساسيا لجبهة البوليساريو في القارة الأفريقية التي يوجد بها أكبر عدد مما تبقى من الدول المعترفة بجبهة البوليساريو، بعد سحب العشرات اعترافها، وانضمامها لمؤيدي اقتراح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب.
وتشهد العلاقات بين المغرب وجنوب أفريقيا توترا ملحوظا على خلفية ملف الصحراء وبسببه يتواجه البلدان ديبلوماسيا في منظمة الإتحاد الأفريقي. ولم تخف الرباط قبل بضعة أشهر إنزعاجها من المشاورات المكثفة التي يجريها دي مستورا مع جنوب أفريقيا، وتساءلت عن الدوافع من "إقحام" جنوب أفريقيا في هذا الملف.
وثمة مؤشر كشف عنه وزير الخارجية الجزائري في مؤتمر صحفي عقده في أغسطس/ آب الماضي، في رده على إعلان فرنسا تأييدها لسيادة المغرب على الصحراء الغربية، حيث ألمح في تصريحاته أن توقيت إعلان باريس موقفها يضرب "مساعي ومبادرة" كان يجري التحضير لها بشأن ملف الصحراء دون أن يكشف الوزير الجزائري عن المزيد بهذا الصدد.
حجرة في بركة راكدة؟
في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني المقبل يكون الديبلوماسي الإيطالي السويدي المخضرم دي مستورا قد بلغ 78 عاما من عمره. أمضى منها حوالي عقود في أروقة ديبلوماسية بلاده وحكومتها وفي مهمات على رأس بعثات تابعة للأمم المتحدة في كل من أفغانستان والعراق وسوريا وصولا إلى الصحراء الغربية.
ورغم أن الرجل معروف بحنكته وإتقانه فن الحوار والتواصل بلغات عديدة: السويدية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والعربية. إلا أن النجاح لم يكن حليفه في عدد من الملفات المأساوية بالمنطقة مثل سوريا والعراق. ولا يبدو أن مهمته في الوساطة في نزاع الصحراء تبدو واعدة. فقد إعترف بحسب محضر اجتماع مجلس الأمن بأنه اصطدم بانسداد آفاق التفاوض بين أطراف النزاع. ومن غير المرجح أن يكون قد ألقى بفكرة التقسيم كما لو أنه رمى بحجر في بركة راكدة.
وأمام دي مستورا ستة أشهر، وضعها مجلس الأمن الدولي، كاختبار نهائي لقدرته على إحداث إختراق بتدشين محادثات بين أطراف النزاع أو أنه سيكون على طريق نهاية مهمته.
هل يحقق التقسيم تسوية مستدامة للنزاع؟
برأي محللين فإن معضلة الأمم المتحدة في نزاع الصحراء، تكمن في إصطدام خططها تاريخيا بأرض الواقع. فبعد ثلاثة عقود من اعتماد خطة تنظيم إستفتاء تقرير المصير، تبدو الخطة كما وضعت إبانها بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى.
وإثر فشل مسلسل تنظيم الإستفتاء، دعا مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 1783 الصادر سنة 2007 إلى "التوصل إلى حل سياسي عادل ودائـم ومقبول للطرفين، بما يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره في سياق ترتيبات تتماشى مع مبدئ ميثاق الأمم الأمتحدة ومقاصده". ونوه قرار المجلس إبانها بمقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب لأمين عام الأمم المتحدة.
بيد أن جهود ثمانية مبعوثين أممين منذ حوالي عقدين من الزمن في البحث عن حل توافقي بين أطراف النزاع في إطار تسوية الأمم المتحدة، لم تكلل بالنجاح.
ومع تطور عامل الزمن، بينما يحصل المغرب على تأييد من عواصم مؤثرة تاريخيا في النزاع مثل مدريد وباريس وواشنطن، تتجه العلاقة مع الجزائر الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو لمزيد من القطيعة مع المغرب. بل إن ملف الصحراء انتقل في متن الخطاب السياسي والإعلامي الجزائري من "قضية مبدئية بدعم مبدأ تقرير الشعوب لمصيرها" إلى اعتباره "قضية أمن قومي للجزائر".
وإذا كانت فكرة التقسيم يُنظر إليها في الرباط على أنها من "إيحاء جزائري" فإن فرص قبولها من الجانب المغربي قد تكون شبه منعدمة لأنه فضلا عن رفضه أي فكرة خارج السيادة على الصحراء، فهو يرى فيها محاولة لعزله عن عمقه الأفريقي.
إلا أنها قد تكون برأي محللين محاولة ضغط على الرباط والدول الحليفة لها لكبح الزخم الذي يأخذه مقترح الحكم الذاتي، والمرشح بأن يأخذ مدى جديدا بالدعم الجديد الذي تلقته الرباط من فرنسا ماكرون، وإحتمال عودة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب الذي كان عرّاب الاتفاق الثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، وبموازاته أعلن إعترافه بسيادة المغرب على الصحراء.
وبالمقابل فإن فكرة التقسيم التي تؤدي إلى قيام دولة صحراوية صغيرة في شمال موريتانياوأقصى جنوب غرب الجزائر، قد تكون عديمة الجدوى لأنها ستصطدم بالتداخل الشديد في التركيبة الاجتماعية والقبلية للسكان، والتي كانت إحدى أسباب فشل عملية تحديد هوية الصحراويين الذين يحق لهم المشاركة في الاستفتاء.
كما تنطوي فكرة التقسيم على مجازفة جيوسياسية كبيرة من منظور الشركاء الأوروبيين والغربيين، كونها لن تضيف سوى رقما ضعيفا جديدا من الدول الهشة في منطقة تتسم بعدم إستقرار أمني واضطرابات وتفشي الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية وموجات الهجرة والنزوح جراء التغيرات المناخية الدراماتيكية والحروب الأهلية والاضطرابات في الدول المتاخمة بمنطقة الساحل والصحراء ووسط القارة الأفريقية.
وناهيك عن هذه العوامل السلبية، فإن سيناريو التقسيم قد يؤجج التنافس الشرس مع الصين وروسيا والتدخلات في المنطقة على غرار ما يجري في دول الساحل والصحراء، كما أنه سيساهم في إضعاف فرص إحياء مشاريع الإندماج المغاربي المعطلة بسبب نزاع الصحراء والقطيعة بين المغرب والجزائر.
ومن هنا فإن فرص تسوية هذا النزاع الشائك، برأي محللين، تحتاج إلى إعادة طرق الباب الصعب المتمثل في الحوار بين الجزائر والمغرب من أجل تقارب يؤدي إلى وقف دوامة الصراعات المتفاقمة باحتوائها وطي نزاع الصحراء في إطار توافق يحفظ للجميع الحقوق المشروعة والمصالح المتبادلة وماء الوجه دون غالب أو مغلوب. ويجلب في نهاية المطاف الاستقرار ليس فقط للمنطقة المغاربية بل وضع أرضية لشراكة مستدامة مع أوروبا التي تبدو في أمس الحاجة إلى شريك مغاربي مستقر.