توفيق بوعشرين أمام تهمة "الإتجار بالبشر"... ما حقيقتها؟
٢٨ فبراير ٢٠١٨استغراب وامتعاض وتباين كبير في الآراء أثاره اعتقال توفيق بوعشرين، الصحفي ذي القلم المشاكس الذي "يزعج بعض الجهات بافتتاحياته وآرائه اللاذعة"، حسب قول أحد محاميه عبد الصمد الإدريسي في حوار DW عربية. جاء بعد ذلك بلاغ النيابة العامة في الدار البيضاء مطلع الأسبوع الجاري، ليحول الاستغراب إلى صدمة إثر إحالة بوعشرين، مدير صحيفة "أخبار اليوم" المغربية وموقع "اليوم 24"، إلى غرفة الجنايات لمحاكمته بتهم بينها الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي والاغتصاب. كما تضمن البيان الإشارة إلى وجود مقاطع فيديو بحوزة النيابة العامة تدين بوعشرين بالتهم الموجهة إليه.
تهم اعتبرها محاميه الآخر، محمد زيان في حوار مع DW عربية، أمراً عدمياً حسب قوله، وأضاف بالقول إن النيابة العامة "تدفع الناس لقول ذلك". وبحسب الزيان فإن الضحيتين الوحيدتين المعنيتين، وهما الصحفية خلود الجابري والسياسية نعيمة لاحروري، لم تحضرا جلسة الاستماع لدى النيابة العامة.
طريقة غير اعتيادية للتعامل مع القضية
بدأت القصة بمداهمة قام بها قامت بها قوات الشرطة لمقر صحيفة "أخبار اليوم" في الدار البيضاء عصر يوم الجمعة الماضي (23 شباط/ فبراير 2018)، لتعتقل مؤسسها ومدير نشرها توفيق بوعشرين وتصادر مفاتيح مقر الصحيفة. التعليق الرسمي الوحيد جاء حينها من قبل الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، الذي برر الاعتقال بـ"شكايات توصلت بها النيابة العامة" دعت إلى إجراء تحقيق قضائي مع بوعشرين. ولكن سرعان ما رُفعت أولى علامات الاستفهام حول آلية الاعتقال، وهي عملية وصفها المحامي عبد الصمد الإدريسي بـ"الطريقة غير المفهومة للتعاطي مع قضايا من هذا النوع"، وأضاف أنه كان بالأحرى أن يتم استدعاء بوعشرين بدلاً من مداهمة مقر الجريدة لاعتقاله.
وخيمت التكهنات والشائعات حول صحة التهم الموجهة لبوعشرين، خاصة وأن النيابة العامة تحفظت على أسماء النساء اللواتي من المفترض أنهن قدمن الشكاوي.
من ناحيته، أكد المحامي محمد زيان أن جلسة الاستماع في النيابة العامة لم تتضمن أي شهادة مباشرة من الضحايا، مضيفاً أن تهمة الاغتصاب الموجهة لبوعشرين يجب أن تقترن بشهادات طبية، ولكن ملف قضيته يفتقر في الحقيقة لهذه الشهادات.
عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية حنان رحاب قالت من جانبها إن من حق الضحايا المفترضين أن يتمتعن بالمساواة أمام القانون وإن من حقهن الدفاع عن حقوقهن دون أن يتعرضن لأي ضغط إعلامي، ولكنها تابعت قائلة: "نحن ننطلق من أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته"، وعبرت عن ثقتها بنزاهة القضاء في المغرب.
بوعشرين.. الصحفي الذي "أخل باحترام الأمير"
المناوشات بين السلطات المغربية وتوفيق بوعشرين ليست وليدة الأمس، فاسمه لا يظهر فقط في ترويسة افتتاحياته ومقالاته، بل أيضاً في عناوين صحف أخرى في كل مرة نشهد فيها منازلة بين السلطات المغربية وقلم بوعشرين. ليست أولى المنازلات ما حصل عام 2009، عندما حُكم على توفيق بوعشرين بالسجن أربع سنوات مع وقف التنفيذ بتهمة "الإخلال بالاحترام الواجب لأمير"، بسبب نشر صحيفته "أخبار اليوم" كاريكاتيراً عن حفل زفاف الأمير إسماعيل، ابن عم العاهل المغربي.
ولم تكن آخر المنازلات ما صدر بحقه مؤخراً بدفع مبلغ يصل إلى أربعين ألف يورو لوزير الفلاحة، عزيز أخنوش، ووزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، بسبب دعوى رفعاها عليه بتهمة السب والقذف.
وعند سؤال المحامي عبد الصمد الإدريسي عن علاقة واقعة اعتقال بوعشرين الأخيرة بقضية السب والقذف التي سبق وأدين بها، علق قائلاً: "من المؤكد أن هناك اليوم محاولات في المغرب من طرف جهات معينة لإسكات كل من له رأي"، من دون أن يسمى الإدريسي هذه الجهات. غير أن النقابية حنان رحاب أكدت في تعليقها على الموضوع نفسه أن القضاء المغربي كان منصفاً في قضية السب والقذف، مشيرة إلى أن "الصحافي يجب ألا يخدم أجندة أي طرف ولا ينتصر إلا للمهنة بضوابطها وأخلاقياتها بعيداً عن القذف والتشهير".
حق عام أم تكسير أقلام؟
المحامي محمد زيان بدا غاضباً بعد صدور بلاغ النيابة العامة، وصرخ بالصحفيين قائلاً: "لا وجود للفيديوهات". ويذكّر زيان بأن مقاطع الفيديو المتوفرة لدى النيابة العامة لم تسجل أكثر من عناق بينه وبين الصحفية المشهورة حنان بكور بعد عودتها من الإجازة، وهو ما يعتبر أمراً عادياً في المغرب، حسب قوله.
ويضيف زيان بالقول: نحن لسنا في (...) داعش"، وأصر على أن القضية يجب أن يُنظر لها في إطار النشاط الصحفي لبوعشرين، في إشارة إلى محاولة السلطات إخماد الأصوات الناقدة من خلال إلحاق تهم أخلاقية بأصحابها.
هذا الرأي لا تشاطره النقابية حنان رحاب، التي قالت في حوار مع DW عربية: "الأفعال المنسوبة إلى السيد بوعشرين - كما أكد عليها بلاغ الوكيل العام - لا علاقة لها بقضايا الصحافة والنشر، وإنما قضية حق عام".
قضية سيُبت بها في غرفة الجنايات في الثامن من مارس/ آذار، المصادف لعيد المرأة العالمي، وهو تاريخ قد يساعد في شحن تأييد المدافعين عن حقوق المرأة في قضية ترى هيئة دفاع بوعشرين أنها تفتقر للأساس القانوني، على الرغم من صدور بيان واضح بخصوصها من محكمة الاستئناف في الدار البيضاء.
ميسون ملحم