لبنان وإسرائيل.. مفاوضات الناقورة توطئة لتطبيع قادم؟
١٣ أكتوبر ٢٠٢٠ترأس الرئيس اللبناني ميشال عون في قصر بعبدا اليوم الثلاثاء (13 تشرين الثاني/أكتوبر 2020) اجتماعاً للوفد اللبناني الرسمي الذي سيتولى غداً الأربعاء التفاوض التقني لترسيم الحدود مع إسرائيل.
وكانت الرئاسة اللبنانية أعلنت أمس أن وفد التفاوض سيترأسه العميد الركن الطيار بسام ياسين، وسيضم في عضويته العقيد الركن البحري مازن بصبوص، ووسام شباط، عضو هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، إلى جانب الخبير في الشؤون البحرية، نجيب مسيحي.
في المقابل، أعلنت إسرائيل عن وفدها الذي يضم ستة مسؤولين رفيعي المستوى بينهم المدير العام لوزارة الطاقة أودي أديري، والمستشار الدبلوماسي لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، رؤوفين عازر، ورئيس دائرة الشؤون الاستراتيجية في الجيش.
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري أعلن بداية الشهر الحالي أن المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي سيجريها الجيش اللبناني تحت إشراف الرئيس عون.
مباشرة أم غير مباشرة؟
المفاوضات التي تنسقها الأمم المتحدة وتتم بوساطة أميركية ستعقد بمقر تابع لـ"قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" (يونيفيل)، في قرية الناقورة بجنوب لبنان.
ويتركز الخلاف بين البلدين حول أساليب ترسيم الحدود البحرية على مساحة تبلغ حوالي 856 كيلومتراً مربعاً من المياه.
وفي عام 2018 وقع لبنان أول عقد للتنقيب عن الغاز والنفط في المياه الإقليمية، مع ائتلاف شركات يضم "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"نوفاتيك" الروسية. وتضم مناطق التنقيب المتفق عليها منطقتين بحريتين، إحداهما محل تنازع مع إسرائيل.
وبحسب مسؤولين لبنانيين، لن يحصل تفاوض مباشر بين الوفدين اللبناني والاسرائيلي، إلا أن إسرائيل قالت وفق وزير الطاقة يوفال شتاينتز، إنها ستكون "مباشرة".
وقادت واشنطن على مدى سنوات وساطة بين الجانبين، اصطدمت باشتراط بيروت تلازم مساري ترسيم الحدود البحرية والبرية. وفيما أكد بري أن إطار التفاوض يشمل الحدود البحرية والبرية معاً، قال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر إن الحدود البرية ستكون موضوع مناقشات منفصلة.
وإلى جانب الخلاف الحدودي البحري، يختلف البلدان حول الجدار الحدودي الذي بدأت إسرائيل بناءه عام 2018.
في حوار مع DW يعبر الخبير السياسي الألماني مارتن بيك من "جامعة جنوب الدنمارك" الواقعة في مدينة أودنسه عن "اعتقاده بدرجة شبه أكيدة أن المحادثات المعلن عنها ستقتصر على موضوع الحدود البحرية".
لبنان وإسرائيل: لا حرب ولا سلم
انخراط لبنان الرسمي في الحروب العربية مع إسرائيل كان معدوماً أو محدوداً للغاية، بدءاً من حرب 1948 مروراً بحرب الأيام الستة 1967 وصولاً إلى حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973. وبقيت الجبهة اللبنانية هادئة حتى أواخر الستينات وبدايات السبعينات من القرن المنصرم عندما انتقل ثقل منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن إلى لبنان.
بعدها اجتاحت إسرائيل لبنان مرتين: عام 1978 فيما سمي بـ"عملية الليطاني" وعام 1982 فيما سمي "عملية سلامة الجليل". وفي المرة الثانية وصلت القوات الإسرائيلية إلى بيروت. وفي 1983 وقعت إسرائيل ولبنان الرسمي برئاسة الرئيس الأسبق أمين الجميل "اتفاق 17 أيار" للسلام. بيد أن الاتفاق لم يصمد وسقط تحت ضربات سوريا وحلفائها.
بعد ذلك التاريخ تصاعدت عمليات حزب الله المولود حديثاً آنذاك ضد إسرائيل وحليفها، "جيش لبنان الجنوبي". وتوج العداء بحربين عام 1993 وعام 1996. بعد الحرب الأخيرة شكلت لجنة خماسية ضمت الولايات المتحدة وفرنسا وسوريا وإسرائيل ولبنان لمراقبة تطبيق الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد الحرب والانتهاكات من جانبي الصرع، الذي انحصر على الجانب اللبناني بحزب الله وحده.
في عام 2000 انسحبت إسرائيل من لبنان وأخذت الأمم المتحدة في مراقبة الحدود البرية. ومنذ ذلك التاريخ لم تشهد المنطقة حرباً كبيرة إلا في عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله استمرت 33 يوماً وقتل خلالها 1200 لبناني معظمهم مدنيون و160 اسرائيلياً معظمهم جنود. فيما عدا تلك الحرب صمت السلاح على طرفي الحدود.
حزب الله وحركة أمل
يعتقد الخبير السياسي الألماني مارتن بيك أن ما دفع حزب الله لعدم إعاقة إنطلاق المفاضات هو عدم استبعاد الرئيس الفرنسي معاقبة حزب الله بعد الفشل في تشكيل الحكومة اللبنانية: "حزب الله لا يرغب في الظهور بمظهر المسؤول عن فشل الدولة اللبنانية".
ومن جانبه، قال مهند حاج علي، وهو زميل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن قرار بدء المحادثات الحدودية، بالنسبة لحزب الله وحركة أمل، هو "قرار تكتيكي لتفادي التوترات وتجنب احتمال فرض عقوبات قبيل الانتخابات الأمريكية". وفي المقابل، نفى نبيه بري أن يكون قد ذهب إلى المحادثات مدفوعاً إليها تحت تأثير الضغوط.
عطل الخلاف على الحدود البحرية أعمال التنقيب عن النفط والغاز قرب الخط المتنازع عليه. وقد يكون هذا مصدر قلق بسيط لإسرائيل، التي تضخ الغاز بالفعل من حقول بحرية ضخمة. لكن القضية أشد إلحاحاً بالنسبة للبنان، الذي لم يعثر في مياهه حتى الآن على احتياطيات تصلح للاستخدام على نطاق تجاري.
وأصبح لبنان بحاجة ماسة للسيولة من المانحين الأجانب في وقت يواجه فيه أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990 فانهارت عملته، الليرة، وتضافرت عوامل جائحة كورونا وكارثة انفجار مرفأ بيروت لمفاقمة الأزمة وزيادة الأوضاع سوءا. ودمر الانفجار مساحات شاسعة من المدينة وأسقط ما يقرب من 200 قتيل.
"اعتراف" بإسرائيل
أثار الإعلان عن المفاوضات في مطلع الشهر الجاري انتقادات خصوصاً من معارضي حزب الله، الذين رأوا في إعلان بري التوصل إلى اتفاق، موافقة ضمنية من الحزب، الذي كان أعلن في وقت سابق معارضته لأي دور أميركي في المفاوضات لارتباطها الوثيق بتل أبيب.
وأعلنت الأمم المتحدة أن الولايات المتحدة ستعمل "كوسيط وميسّر لمناقشات ترسيم الحدود البحرية". ورحب وزير الخارجية بالاتفاق على بدء المفاوضات ووصفه بأنه "تاريخي"، مضيفاً أنه ثمرة جهود دبلومساية حثيثة استغرقت ثلاث سنوات. وبدوره وقال ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى إنه سيمثل الولايات المتحدة في المفاوضات.
وحرص حزب الله على التشديد على أن لا علاقة للمفاوضات المزمعة بـ"المصالحة" أو "التطبيع" مع تل أبيب.
ويرى الدكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس، أن مجرد البدء بهذا النوع من المفاوضات يفصح عن تهدئة. ويضيف الخبير في شؤون الشرق الأوسط في حديث مع DW عربية: "المناخ الجديد في الخليج بما يخص التطبيع مع إسرائيل ليس هو السبب وراء هذ التطور، بل أقول إن الضغط الأميركي على إيران قد ساهم في ولادة هذه المحادثات".
آلان باكر من "مركز أورشليم للشؤون العامة"JCPA ، المختص بقضايا "أمن إسرائيل والدبلوماسية الإقليمية والقانون الدولي"، اقتبس في خلاصة مقال طويل له كلاماً عن السفير والكاتب الصحفي الإسرائيلي المولود في تونس، فريدي إيتان: "للمرة الأولى لا يستخدم فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري مصطلح 'عدو' عند كلامه عن دولة إسرائيل"، لافتاً إلى أنه وعلى الرغم من أن المفاوضات الجديدة محدودة في الزمان والمكان، فإنها تقدم "اعترافاً" بحكم الأمر الواقع بوجود دولة إسرائيل المجاورة.
ويعتقد فريدي إيتان أن المفاضات "تبعث برياح الأمل وتبشر بمناخ سلمي"، مشيراً إلى انها تأتي بعد توقيع اتفاقات السلام وتطبيع العلاقات مع بلدان خليجية (الإمارات والبحرين).
خالد سلامة