لولا دا سيلفا يعود إلى رئاسة البرازيل وسط ترحيب عالمي
٣١ أكتوبر ٢٠٢٢انتُخب الرئيس البرازيلي اليساري الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الأحد (30 تشرين الأول/أكتوبر 2022) رئيسًا للبرازيل مجددًا بفوزه بفارق ضئيل على منافسه الرئيس اليميني المتطرّف المنتهية ولايته جايير بولسونارو، بنسبة 50,83% مقابل 49,17%، وفقًا للنتائج الرسميّة شبه النهائيّة.
ووصف لولا دا سيلفا في خطاب النصر مساء الأحد أن "هذا اليوم الأهم في حياتي"، مؤكدًا أن بلاده "تحتاج إلى السلام والوحدة"، مضيفًا أنّها "عادت" إلى الساحة الدوليّة ولم تعد تريد أن تكون "منبوذة". وتابع: "اليوم نقول للعالم إنّ البرازيل عادت" وإنّها "مستعدّة لاستعادة مكانتها في مكافحة أزمة المناخ".
ورحب زعماء العالم بفوز لولا دا سيلفا في الانتخابات. وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيان: "أوجّه تهانيّ إلى لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على انتخابه رئيسًا للبرازيل بعد انتخابات حرّة ونزيهة وموثوقة"، مضيفًا أنّه "يتطلّع إلى العمل" معه "لمواصلة التعاون بين بلدينا".
وهنأ المستشار الألماني أولاف شولتس الرئيس البرازيلي الأسبق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على فوزه في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة في مواجهة شاغل المنصب جاير بولسونارو. وكتب شولتس على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" اليوم الاثنين أنه يتطلع إلى "التعاون الوثيق والثقة"، خاصة فيما يتعلق بقضايا التجارة وحماية المناخ. وبعث الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير برسالة تهنئة للولا، وجاء فيها: "سواء كانت أزمات اقتصادية أو تشكيل إمدادات الطاقة لدينا أو التحول إلى اقتصاد مستدام: ألمانيا على استعداد لملء الشراكة الاستراتيجية بين بلدينا بالحياة لصالح مجتمعينا ومستقبل كوكبنا".
من جهتها هنأت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك لولا دا سيلفا على الفوز، مشيرة خلال زيارتها إلى كازاخستان إلى أن "الانتخابات في البرازيل لها منتصر واحد (لولا دا سيلفا) لكن العديد من الفائزين". وقالت بيربوك: "الفائز الأكبر هو الديمقراطية البرازيلية لأن الانتخابات كانت شفافة ونزيهة، وهذا مهم في هذه الأوقات على وجه الخصوص من أجل ثقتنا بالديمقراطية وسيادة القانون".
وأكدت الوزيرة المنتمية لحزب الخضر أن "الفائز الكبير الآخر هو المناخ العالمي"، مشيرة إلى أن نتائج الانتخابات تعطي الأمل في أن "الإزالة غير المنضبطة للغابات المطيرة في البرازيل ستنتهي قريبًا وأن البرازيل ستصبح مرة أخرى قوة دافعة في كفاحنا المشترك ضد أزمة المناخ".
كما هنأ زعماء أمريكا اللاتينية لولا دا سيلفا بعد عودته لرئاسة أكبر دولة في أمريكا الجنوبية معززًا "المد الوردي" في المنطقة للزعماء اليساريين المنتخبين. وبانتصاره على الرئيس اليميني المتطرف جايير بولسونارو تنضم البرازيل إلى كولومبيا والمكسيك والأرجنتين وتشيلي وبيرو في كتلة يسارية متنامية. ووصف "المد الوردي" لأول مرة موجة من الحكومات اليسارية التي ظهرت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بدءًا من هوغو تشافيز في فنزويلا وإيفو موراليس في بوليفيا وكذلك لولا دا سيلفا نفسه.
لحظات مجد وانكسار
ويعود لولا الشخصية المرجعية في اليسار الأمريكي اللاتيني في سن السابعة والسبعين إلى القصر الرئاسي في برازيليا بعدما عرف لحظات مجد وانكسار تخللها دخوله السجن حتى.
وتشكل عودة لوس إينياسيو لولا دا سيلفا الظافرة سابقة في تاريخ البرازيل الحديث بعدما انتخب سابقًا لولايتين رئاسيتين بين العامين 2003 و2010. إلا أن عودة لولا الذي عرف مصيرًا خارجًا عن المألوف، تعتبر إنجازًا. فقد أدين بتهمة الفساد في إطار أكبر فضيحة في تاريخ البرازيل ودخل السجن مدة 580 يومًا بين نيسان/أبريل 2018 وتشرين الثاني/نوفمبر 2019.
ولطالما أكد زعيم حزب العمال أنه ضحية مؤامرة سياسية سمحت لبولسونارو بالوصول إلى الرئاسة العام 2018 عندما كان هو المرشح الأوفر حظًا للفوز. في آذار/مارس 2021 عاد لولا ليلحم بثأر مدو. فقد ألغت المحكمة العليا إداناته وسمحت له باستعادة حقوقه السياسية لكن من دون تبرئته. ورأت لجنة حقوق الإنسان في الأمم لمتحدة أن التحقيق والملاحقات في حق لولا انتهكت حقه في أن يحاكم أمام محكمة غير منحازة.
اليوم بعد 12 عامًا على مغادرته السلطة فيما كان يتمتع بنسبة تأييد خيالية بلغت 87 %، يريد لولا أن يجعل "البرازيل سعيدة مجددًا". وجال هذا الخطيب المفوه الذي يتمتع بكاريزما كبيرة وبصوت أجش، أرجاء البلاد المترامية الأطراف مرتديًا سترة واقية من الرصاص وخاض معركة حامية الوطيس مع عدوه اللدود بولسونارو.
ولا يزال ينظر إلى لولا على أنه "قريب من الشعب" ويستمر بالتمتع بشعبية كبيرة ولا سيما في مناطق شمال شرق البلاد الفقيرة التي تشكل معقله التاريخي. إلا انه مكروه من جزء من البرازيليين إذ يجسد بنظرهم الفساد. ولم يكف جايير بولسونارو الذي لعب كثيرًا ورقة كره حزب العمال ليفوز بالانتخابات الرئاسية في 2018، عن وصفه بأنه "سارق" و"سجين سابق" خلال مناظراتهما التلفزيونية.
طفولة قاسية وشباب ثوري
ما من مؤشرات كانت تنبئ بأن لولا سيعرف هذا المصير الاستثنائي، وهو الابن الأصغر بين ثمانية أطفال. وقد ولد في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1945 في عائلة مزارعين فقراء في بيرنامبوك في شمال شرق البرازيل.
خلال طفولته عمل لولا ماسح أحذية وانتقل مع عائلته في سن السابعة إلى ساو بالو هربًا من البؤس. وعمل بائعًا جوالًا ثم عامل تعدين في سن الرابعة عشرة وقد فقد خنصر اليد اليسرى في حادث عمل. في سن الحادية والعشرين انضم إلى نقابة عمال التعدين وقاد الاضرابات الواسعة في نهاية السبعينات في خضم الديكتاتورية العسكرية في البلاد (1964-1985).
شارك في تأسيس حزب العمال في مطلع الثمانينات وترشح مرة أولى للانتخابات الرئاسية العام 1989 وفشل لكن بفارق ضئيل. وبعد فشلين آخرين في 1994 و1998 فاز في محاولته الرابعة في تشرين الأول/أكتوبر 2002 وأعيد انتخابه في 2006.
إنجازات
وكان أول رئيس برازيلي ينتمي إلى طبقة العمال. فعكف على تطبيق برامج اجتماعية طموحة بفضل سنوات من النمو الاقتصادي المدعوم بفورة المواد الأولية. خلال ولايتيه الرئاسيتن خرج نحو 30 مليون برازيلي من براثن البؤس. وجسد لولا كذلك بلدًا راح ينفتح على العالم وساهم في منح البرازيل موقعًا على الساحة الدولية، خصوصًا مع استضافة البرازيل كأس العالم لكرة القدم العام 2014 ودورة الالعاب الأولمبية في 2016 في ريو دي جانيرو.
يتمسك لولا بالمثل إلا أنه يتمتع بحس براغماتي وأصبح متمرسًا في نسج التحالفات وإن كانت غير بديهية أحيانًا. فخلال حملة الانتخابات الرئاسية الحالية اختار جيرالود الكمين خصمه في انتخابات سابقة مرشحًا لمنصب نائب الرئيس وهو تكنوقراطي وسطي لطمأنة الأوساط الاقتصادية. في آذار/مارس 2016 شكلت محاولة عودته إلى السياسية كوزير في عهد خليفته ديلما روسيف فشلًا مدويًا وكذلك إقالة هذه الأخيرة في آب/اغسطس. في تشرين الأول/أكتوبر 2011 عانى من سرطان في الحنجرة. وفي شباط/فبراير 2017 فقد زوجته ماريسا ليتيسيا روكو.
إلا أن لولا تزوج مجددا في أيار/مايو من روسانيجلا دا سيلفا المعروفة باسم "جانجا" وهي عالمة اجتماع ناشطة في صفوف حزب العمال. وقال عن زوجته التي شاركت بنشاط في حملته الانتخابية: "أنا متيم بها كما لو أني في سن العشرين".
م.ع.ح/ح.ز (د ب أ ، أ ف ب ، رويترز)