الانتخابات الألمانية في مرآة الإعلام العربي

مخاض عسير تعيشه حاليا الحياة السياسية في ألمانيا والعملية الديمقراطية عموما. فبعد أن أفرزت الانتخابات البرلمانية نتائج غير حاسمة لصالح أي من اللاعبين الرئيسين في الحياة السياسية الألمانية، تستمر المماحكات السياسية بين الأحزاب بغرض الحصول على أكثر المكاسب. ولازالت عملية التوصل إلى صيغة تفضي إلى تشكيل حكومة ائتلافية، تراوح مكانها. وتجري في الوقت الحاضر مشاورات مكثفة داخل الأطر الحزبية وأخري بين الأحزاب السياسية المختلفة باستثناء حزب اليسار الجديد. فالحزب المسيحي الديمقراطي الذي فاز بأغلبية ضئيلة في الانتخابات يجري مفاوضات "جس المواقف" مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الليبرالي تمهيدا لمفاوضات بغرض تشكيل ائتلاف حكومي. ويشارك المستشار الألماني المنتهية ولايته جيرهارد شرودر، الذي يتمسك بأحقيته في تشكيل الحكومة، في المحادثات عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي مع انجيلا ميركل رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي التي تأمل بدورها في الجلوس على كرسي المستشارية. على الجانب الآخر تجري مفاوضات موازية بين كل من الحزبين الكبيرين والأحزاب الصغيرة على حدة كالحزب الليبرالي وحزب الخضر في محاولة كل طرف كسب هذين الحزبين إلى جانبه للحصول على أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة.

الصدى الإعلامي لما يحدث في ألمانيا

إشكالية تشكيل الحكومة الألمانية في وضع، كهذا غير واضح المعالم، تحظى باهتمام كبير من جانب وسائل الإعلام العالمية نظرا لما تمثله ألمانيا من وزن سياسي وقوة اقتصادية مؤثرة على المستوى الدولي، وبالتالي تهتم وسائل الإعلام بنقل صورة الوضع تماما والإشارة أيضا الى الاختلافات المتوقعة في حالة تشكيل الحكومة من هذا التحالف أو ذاك. فالمانيا التي عودتنا على سياسة خارجية خالية من النزوات والمفاجئات وتتسم بقدر كبير من الاستمرار ظهرت بصورة مختلفة تماما في السنوات الأخيرة وذلك على ضوء الاختلافات الواضحة بين الاشتراكيين والمحافظين حول مسائل خارجية هامة كالحرب على العراق ومسألة انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي.

الحدث في مرآة الإعلام العربي

قد تبدو الانتخابات الألمانية وما ينتج عنها من تغيير في السلطة شأناً ألمانياً داخلياً لا تؤثر على قضايا العالم العربي . لكن واقع الحال يؤكد العكس، فسياسة ألمانيا تجاه المنطقة تتأثر سلبا أو إيجابا بتوجهات الحزب الحاكم إلى حد ما. وبالرغم من أهمية الدور الألماني في المنطقة باعتبارها أهم دولة في الاتحاد الأوروبي، لا تحظى القضايا الألمانية الداخلية بتغطية إعلامية مناسبة من قبل وسائل الإعلام العربية وخصوصا الصحف، الا أن الانتخابات الحالية وما تمخض عنها من نتائج استحوذت، حسب رأي بعض الصحفيين، على حيز كبير في الأعلام العربي. ولكن بالمحصلة تعتقد الغالبية العظمى أن الأمر سيان فيما يتعلق بهوية الحكومة القادمة محافظة كانت أو اشتراكية.

محاولة نقل صورة عن ألمانيا

أكد الصحفي أكثم سليمان، مراسل قناة الجزيرة الفضائية في ألمانيا، في حديث مع موقعنا ان هناك تفاصيل كثيرة يحاول الصحفيون توضيحها للمواطن العربي مثل طبيعة النظام الانتخابي وطريقة اختيار المستشار والتركيبية السياسية الموجودة في ألمانيا. وأضاف سليمان قائلا: "نحاول أن نوضح للمواطن العربي بان الانتخاب يتم للحزب وليس للزعيم". والمواطن العربي، حسب تعبير سليمان، يعرف بان هناك أحزاب عدة في ألمانيا ولكنه لا يعرف كثيرا عن توجهاتها وأيديولوجياتها ونحن بدورنا نحاول أن نوضح له ذلك. أما عن رأية حول ما اذا كانت قضايا السياسة الداخلية الألمانية وهوية الحزب الحاكم تهمان المواطن العربي فيعتقد مراسل فضائية الجزيرة أن المواطن العربي عموما "يتعاطف مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي أكثر من الأحزاب الأخرى" لأنه يرى في سياسة هذا الحزب نوعا من التوازن تجاه القضايا العربية. وعموما فان ما يجري في ألمانيا كأهم دولة اقتصادية في أوروبا وعضو فاعل في الاتحاد الأوروبي يحظى باهتمام المواطن العربي

توضيح اللعبة الديمقراطية

من جانبه يؤكد عبد الناصر محمود النجار، مدير تحرير صحيفة الأيام الفلسطينية، في حديث مع موقعنا، انه على العكس من الكثير من وسائل الإعلام العربية، حظيت عملية الانتخابات وعملية تشكيل الحكومة في ألمانيا باهتمام الصحافة الفلسطينية المكتوبة التي تناولت هذا الموضوع على صدر صفحاتها، حسب تعبير النجار. ويعتقد النجار"بان نوع الحكومة في ألمانيا يؤثر على موقفها من القضية الفلسطينية وسياستها في المنطقة".ويتفق النجار مع أكثم سليمان في أن الرأي العام العربي يميل إلى تفضيل سياسة الأحزاب اليسارية لأنها تنتهج سياسية ايجابية إلى حد ما من القضايا العربية وهذا ما عرف عن سياسة حكومة شرودر، غير انه يؤكد بان التعاطف أصلا مع برامج الأحزاب وليس مع الأشخاص، والاهم موقف هذه الأحزاب من القضايا العربية. وعن سؤاله عن الكيفية التي تنقل بها صحيفته عملية الصراع الحالي على الحكم في ألمانيا يقول "نحن نفهم أن هذا الصراع جزء من اللعبة الديمقراطية وهذا هو جوهر الديمقراطية الغربية عموما" وعلى هذا الأساس نشرح لقرائنا لإشكالية القائمة حاليا.

صعوبات

أما اسكندر الديك، مراسل صحيفة الحياة في برلين، فيعتقد، في حواره معنا، أن هناك مستويين لنقل ما يحدث في ألمانيا للجمهور العربي: الأول ما يتعلق بالسياسة الداخلية وهذا يشكل صعوبة أمام الصحفي عند تناوله له لان القارئ العربي لا يعرف كثيرا عن السياسة الداخلية الألمانية. وهنا لا بد، حسب رأيه، أن يعمل الصحفي على شرح طبيعة الأوضاع الداخلية ويوضح للقارئ أن هناك قضايا مثل البطالة المرتفعة والإصلاح الاقتصادي تلعب دورا مهما في توجيه الناخب الألماني. أما المستوى الثاني فيتعلق بالسياسة الخارجية لألمانيا وهنا يشير الديك إلى أن الجمهور العربي لدية معرفة بهذا الجانب ويعرف موقف ألمانيا مثلا من حرب العراق. ويعتقد الديك أن الصحافة العربية تعطي اهتماما لما يجري في ألمانيا. ويشير الديك بالذات إلى الصحافة الالكترونية التي تتابع، من وجهة نظرة، عملية تشكيل الحكومة وتطوراتها.

د.عبده جميل المخلافي