الحدود المميتة: ضحايا جدار برلين
١٣ أغسطس ٢٠١١28 عاما هي المدة التي وقف فيها جدار برلين حاجزا بين الشرق والغرب. ورغم أن ما يدعى بشريط الموت مكون من الإسمنت والأسلاك الشائكة، التي لا تشكل عائقا كبيرا أمام من يريد العبور، إلا أن 136 شخصا لقوا حتفهم أثناء محاولتهم عبور الجدار. وآخر الضحايا مات قبل بضعة أشهر من سقوط الجدار. أما أول الضحايا فلقي مصرعه في 24 آب/ أغسطس 1961، أي بعد 13 يوما من بدء زعماء ألمانيا الشرقية بتشييد الجدار. والضحية هو الشاب غوينتر ليفتين، البالغ من العمر 24 عاما، والمنحدر من حي فايسنزي في برلين الشرقية. وقد تم وضع حجر تذكاري لهذا الشاب الذي لقي حتفه بطلقات نارية، ليكون أول ضحايا الجدار.
بدايات تشييد الجدار
وقد تم تشييد الجدار بالإتقان الألماني المعهود، كما وصف ذلك تقرير إذاعي تم بثه آنذاك بالقول: "لم تعد تجد الأسلاك الشائكة الممتدة على طول الشارع نفعا، ولذلك بدأت الرافعات على الجانب الشرقي بالعمل على طول شارع بيرناور وبقية الشوارع، من أجل وضع الصفائح الإسمنتية. ويتم مراقبة كل الأعمال من قبل رجال الشرطة، الذين جهزوا أسلحتهم لأي محاولة تسلل باتجاه الغرب." وهكذا أصابت إحدى طلقات الشرطة غوينتر ليفتين، عندما حاول الوصول إلى ضفة النجاة الغربية.
وللعودة إلى بدايات الأمر لابد من التذكير بالانتفاضة الشعبية الأولى، التي سحقتها حكومة ألمانيا الشرقية في 17 حزيران/ يونيو 1953، بمساعدة الاتحاد السوفيتي آنذاك.وبعد ذلك بدأ الخوف يتعاظم لدى الحكومة الشرقية من احتمال اندلاع انتفاضة أخرى في المستقبل. وكتبعة لهذا الخوف جاءت الفكرة بتشييد الجدار، الذي حد بشكل واضح من أعداد المتسللين باتجاه الغرب. فقد كانت أعداد الذين تمكنوا من الوصول إلى الشطر الغربي من برلين قبل بناء الجدار تقدر بالآلاف، ولكنها انخفضت بشكل كبير بعد ذلك.
سنوات صعبة للشرقيين
وفي الأشهر الأولى بعد بناء الجدار تمكن العديد من اللاجئين من العبور إلى الجانب الغربي، وذلك من خلال نفق قاموا بحفره. إلا أن الأمور زادت سوءا بعد ذلك في وجه الهاربين من الشطر الشرقي، كما يروي أحد الأشخاص، الذي عايش موقفا أمام عينيه: "بعد تبادل لإطلاق النار بين شرطة برلين الغربية وشرطة الجانب الشرقي، سقط ضحية جديد أثناء عبور الجدار. إنه شخص حاول الهروب من الجانب الشرقي، فقامت الشرطة الغربية بمحاولة تغطية وصوله عن طريق فتح النار، إلا أنه لقي مصرعه على الفور في شارع بيرناو."
وشارع بيرناو هذا تحول إلى رمز لانعدام الإنسانية لدى نظام ألمانيا الشرقية. والزائر لبرلين في حاضرنا ، بإمكانه أن يرى بقايا الجدار وأهم النصب التذكارية، التي توثق لمحاولات الهرب الكثيرة، والتي نجح بعضها وفشل بعضها الآخر.
وحاول المجلس المحلي في برلين الغربية أن يستخدم الكلمة للتأثير على الشرقيين. فبدأت حرب كلامية عبر الأثير. وهكذا وصل صوت فيلي برانت، الذي شغل منصب رئيس بلدية برلين الغربية بين عامي 1957 و 1966، والحامل لجائزة نوبل فيما بعد، إلى الجانب الشرقي، ووجه كلامه لشرطة برلين الشرقية قائلا: "لا تسمحوا بتحويلكم إلى دمية بأيديهم. تصرفوا بإنسانية، قدر ما تستطيعون. وبالدرجة الأولى: لا تطلقوا النار على مواطنيكم. كل واحد منكم ستتم محاكمته لاحقا على ما يقوم به الآن من أعمال."
تجارب مريرة
وقد تحقق تنبؤ ويلي برانت بعد سقوط الجدار، ولكن ليس حرفيا، و ليس كما كان يتمنى الكثير من الضحايا وذويهم. فبعد سقوط الجدار تمت مساءلة عدة جنود ممن كانوا يعملون على مراقبة الجدار ويطلقون النار، ولكن معظمهم تم الحكم عليهم بعقوبات مع وقف التنفيذ. وحتى أولئك الذين أطلقوا النار على كريس غويفري، ذي العشرين ربيعا، في شهر شباط/ فبراير عام 1989. وكان ذلك تجربة مريرة لوالدته كارين التي تقول: "لقد اضطررت أن أتجرع المرارة، لأن ذلك الأمر كان عملية قتل، وحتى القاضي اعتبر ذلك عملية إعدام، ولكن الحكم جاء مع وقف التنفيذ فقط."
وعاشت كارين غويفري لحظات صعبة عندما سمعت الطلقات المميتة التي أردت ابنها قتيلا. كل الظروف كانت صعبة، فالوقت كان ليلا والجو باردا للغاية، وكانت كاترين متوترة طوال الوقت. وتضيف كاترين: "لم أستطع سبب تفسير قلقي، وبعد ذلك سمعت صوت الطلقات، التي كانت كثيرة، كثيرة جدا. وبعد ذلك ساد الصمت."
مقتل كريس غويفري جاء قبل سبعة أشهر من سقوط الجدار، ليكون آخر الضحايا الذين سقطوا من خلال الرصاص الموجه. وتم تخليد اسمه وكذلك اسم أول الضحايا غوينتر ليفتين، على نصب تذكاري أبيض على ضفة نهر شبريه في برلين، إلى جانب مبنى الرايشستاغ، ليتذكر العالم باستمرار ضحايا تقسيم برلين باستمرار.
فلاح الياس/ مارسيل فورستيناو
مراجعة: محمد المزياني